قراءة في دلالة التوقيت لعودة قيادات من قوات “طارق صالح” إلى الحوثيين
يمن مونيتور/ خاص/ من عبدالملك الطيب
يحتفل الحوثي بمن يعود إليه من التشكيلات العسكرية التابعة لطارق صالح (نجل شقيق الرئيس اليمني السابق) في الساحل الغربي، ويستغل ذلك إعلاميا ويوظفه باتجاهات عديدة.
ويلتزم طارق الصمت إزاء ذلك، وكذلك يفضل إعلام الأطراف الأخرى تجاهل الأمر لتفويت الفرصة على الحوثي في توظيفها، وبعيدا عن هذه الهواجس المتحكمة في الطرفين، تحاول هذه الأسطر أن تقدم قراءة لعودة بعض قيادات ومنتسبي قوات طارق صالح إلى الحوثيين خلال الأيام القليلة الماضية، وتحديدا عودة العميد عادل الخبجي قائد قطاع الأمن المركزي في المخا، وأنه سبق ذلك بأيام عودة كتيبة كاملة من “حراس الجمهورية”.
والسؤال العريض على رأس هذا الموضوع، والذي يمثل في ذات الوقت مدخلا إلى الجواب، هو: لماذا هذه الجبهة بالذات هي يحصل فيها انشقاقات وبهذه الصورة المتتابعة وبهذا المستوى القيادي ويكون أحيانا بالكتائب الجماعية؟ ولماذا استجدت هذه الوقائع خلال هذه الأيام على وجه التحديد؟!
هنا، يشار أولا إلى تأكيدات البعض أن الحوثي أثناء تدفق المئات من منتسبي قوات طارق من صنعاء وما حولها، دفع بالعشرات معهم ليكونوا مدسوسين يعملون لصالحه في هذه الجبهة. وسواء كان هذا صحيحا او غير صحيح، فإن هذه الجزئية لا يمكن أن تكون سببا للانشقاقات التي شهدها هذا الشهر، فالحوثييون ليسوا أغبياء ليلعبوا بهذه الورقة ويستخدموا عناصرهم المدسوسة بهذه الطريقة في ظل هدوء هذه الجبهة وتوقفها عن العمل العسكري بشكل تام.
وللقضية عموما أسباب قديمة ذات آثار ما تزال مستمرة، وتعود في أساسها إلى العقيدة القتالية لهذه القوات منذ بداية تأسيسها، مرورا بتحالفها غير المعلن مع الحوثي حتى إنجازه الانقلاب الكامل، ثم التحالف المعلن بعد الانقلاب حتى المواجهات بين الطرفين التي أسفرت عن مقتل صالح وما ترتب على ذلك من توجه طارق إلى الجهة المناهضة.
وهذه الأسباب يستبعد أيضا أن تكون هي الأسباب المباشرة للانشقاقات في هذا التوقيت، ولو كانت هي السبب المباشر فلماذا حصلت الآن ولم تحصل من قبل؟
بالطبع قد يكون لها تأثيرها، لكنها ليست سببا مباشرا، والواضح أن هناك أمورا أخرى جديدة هي التي تمثل الدافع أو السبب الحقيقي لهذه الانشقاقات.
من هذه الأسباب المباشرة اعتماد طارق على برنامج توجيه معنوي داخلي يغذي به تشكيلاته العسكرية بالخصومة مع الشرعية أكثر من الخصومة مع الحوثيين، وهي امتداد لذات التوجيه والعقيدة السابقة، ولهذا لا يظهر لدى منتسبي هذه القوات فرق بين الواقع الحالي والقديم، أو لا يظهر لهم على الأقل فرق بالقدر الذي يوازي حجم التحول الذي طرأ على واقعهم، سواء على المستوى الشخصي، أو الوطني.
واضافة الى ذلك، وهو الأهم هنا، أنه تنامى لدى كثير من منتسبي هذه القوات، قيادات وأفرادا، شعور بعدم جدية طارق في المعركة مع الحوثي، وأنه سلم نفسه بشكل تام لأجندة إماراتية بعيدة عن أجندتهم، حيث عمل خلال عام كامل على خلق قناعة لديهم مفادها أنهم بصدد انتظار سقوط مأرب بيد الحوثيين، ليبدأ دورهم عند ذلك، وتنطلق معركة تحرير الحديدة، وبالتوازي مع ذلك أو بعده ستحين التسوية السياسية الشاملة التي يعمل جاهدا الآن للحصول على مقعد فيها وبالتالي الحصول على مكسب سياسي ونصيب من الكعكة مستقبلا.
انفجر لدى بعضهم هذا الشعور بإعلانه عن تأسيس ما أسماه “المكتب السياسي للمقاومة الوطنية”، وابتعاثه وفدا للقاء المبعوث الأممي بالقاهرة، وأصبح ذلك الشعور في صفوفه حقيقة ماثلة، وأدركوا حقيقة الموقف بشأن جديته وحليفه الإماراتي في تحرير صنعاء، وأن الأمر ليس كما كانوا يأملون، ولم يروا في هذا مكسبا يكافئ التضحيات التي قدموها بالنزوح، ولا الطموحات التي حملوها معهم تاركين وراءهم أهاليهم وبيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم. ولقد تراكمت هذه الأسباب لتشكل دافعا للانسحاب وتفضيل العودة إلى الأهل والأرض، خاصة وأن لهذه القيادات مشاريع واستثمارات خاصة ومصالح متعددة.
ويضاف إلى هذه الأسباب المتراكمة، عدم سعيه الى الوفاق مع المجتمع الذي احتضن قواته، واستسلم لسياسة الحليف الإماراتي الذي عمل على استنساخ تجربة عدن وتطبيقها في المخا ومناطق الساحل الغربي.. في عدن وما حولها، عملت هذه السياسة على تمكين أطراف مناطقية وقوات عسكرية ينتمي منتسبوها لأجزاء محدودة منها مع إزاحة الآخرين من أبناء تلك المناطق وكبتهم بالقمع، وهنا يفوت المخططين لهذه السياسة أن طارق غريب عن تعز والحديدة والساحل الغربي عموما، وأن هذه السياسة تجاه المجتمع لها تبعات وتداعيات أكبر من أن تحتمل، وأن أفراده الذين هم في خط التماس مع المواطنين بمحافظات الساحل الغربي هم من يدفع النسق الأول من كلفة هذه الخصومة، ولا يعرف طارق وحليفه الإماراتي معاناتهم التي تجرها هذه التوجهات القائمة على محاولة الاستفراد بالمنطقة وإزاحة أهلها بالقوة، بل وصل الأمر إلى محاولة استصدار قرار جمهوري بجعل الساحل محافظة مستقلة تنفصل بها المديريات التابعة لكل من تعز والحديدة وحجة عن محافظاتها، وهو الأمر الذي يرفضه مجتمع الساحل قبل غيره، حيث يعد ارتباطه بهذه المحافظات جزءا من هويته وانتمائه الوطني.
في نموذج يمكن استحضاره هنا، قدمه الشهيد القائد عدنان الحمادي بمجاراة الإمارات والحصول على دعمها، لكنه رغم ذلك قاوم إغراءاتها الكبيرة التي أرادت تطويعه لطارق ليكون جزءا منه. كان الحمادي يعرف تبعات ذلك على جبهته والقوة العسكرية التي يقودها، وأنه سيعرضها لصور مختلفة من التفكك، وهذا هو التوازن الذي يفتقر إليه طارق في التعامل مع الإمارات، وهو انعكاس طبيعي لفارق الخبرة القيادية بين الاثنين والفارق الشخصي بينهما على العموم.
في نفس الاتجاه، يفتقر طارق في التوازن بين هدف التحرير، وهدف الحصول على حصة من الكعكة في التسوية السياسية المنشودة للإمارات وأطراف خارجية أخرى، وقد تمكنت الامارات من إحلالها لدى طارق كهدف وحيد على حساب التحرير كما يقرأ ذلك بوضوح من معطيات ميدانية ومن الخطاب الإعلامي الذي ينتهجه إعلامه.
تداعيات وأسباب متراكمة تتكاتف في خلخلة هذه الجبهة، وإذا كان هذا على مستوى الصفوف الداخلية لقواته، فكيف سيكون الأمر إذا أراد إقناع مكونات المجتمع على امتداد الساحل الغربي بالانضمام إلى تياره السياسي؟!
لا شك أن الأمر سيكون غاية في التعقيد، وأشبه بمهمة محكوم عليها سلفا بالفشل، بل الطبيعي أيضا أن تظهر مكونات أخرى في ذلك المجتمع ترى أنه لا يمكن لها أن تستظل بمظلة طارق كثيرة الخروق، ليصبح خيارها الوحيد في التعبير عن نفسها ومجتمعها هو الاعتماد على الذات والاستقلال بكياناتها، منفردة أو مجتمعة.