وصفها المولى عز وجل بالبلدة الطيبة، فقال (بلدة طيبة ورب غفور)، ونعت أهلها الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، بالحكمة، وليونة التفكير، ورقة الأفئدة، قائلاً ” أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً، وألين أفئدة الإيمان يمان والحكمة يمانية ” وقال صلى الله عليه وسلم ” إني لأجد نفس الرحمن يأتي من قبل اليمن”. وصفها المولى عز وجل بالبلدة الطيبة، فقال (بلدة طيبة ورب غفور)، ونعت أهلها الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، بالحكمة، وليونة التفكير، ورقة الأفئدة، قائلاً ” أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً، وألين أفئدة الإيمان يمان والحكمة يمانية ” وقال صلى الله عليه وسلم ” إني لأجد نفس الرحمن يأتي من قبل اليمن”.
ولم يبعد هذا الوصف الذي جاء في القرآن والسنة النبوية، عما ورد في النقوش القديمة، والكتب السماوية الأخرى، والمصادر الكلاسيكية.
فقد عرَّفتها النقوش الفرعونية بالأرض المقدسة، وأطلق عليها أبو التاريخ الإغريقي هيرودوت العربية السعيدة، وبين الرومان شاع هذا الوصف كذلك، وبلاد الرب والمباركة أيضاً، وذكرت في العهد القديم في سياقات تدل على النعمة والطمأنينة والأمان.
وهي عند العرب مركز قوتهم، وموضع ثقتهم واعتزازهم، تحفها هالة من القداسة، ما زالت آثارها شاهدة وحاضرة حتى اليوم في الكعبة المشرفة من خلال الركن اليماني، الذي يشير إلى اليمن، فهو ما زال يحمل شحنة القداسة منذ أزمنة مضت.
ولوعدنا إلى الجذر ” يمن ” في اللغة العربية، لوجدنا من معانيه الخير والرخاء والنعيم والغنى والحبور، وتصاحبه كذلك معاني القوة، والقدرة، والشدة، والعظمة، كما تدل عليه كلمة يمين، المشتقة من الجذر يُمن.
هذه هي صورة اليمن واليمنيين في التاريخ، وعند أبناء الحضارات التي عرفها الزمان، محفوفة ومشحونة بالرخاء والاستقرار، والقدرة والقوة والثراء والفطنة، كلما ذكرت قفزت إلى الذهن جميع تلك الصور.
في مطلع القرن الماضي بعد أن نالت اليمن استقلالها عن العثمانيين عقب الحرب العالمية الأولى، والتضحيات الجسام التي دفعها الشعب من أجل تحقيق ذلك الهدف، وجد اليمنيون أنفسهم رهائن لنظام استبدادي ليس له مثيل في رجعيته وتخلفه كما قال محمد حسنين هيكل، وقد زاد من مرارة معاناتهم، ما رأوه من تطور في بعض البلدان العربية، وما هو موجود أيضا في مدينة عدن الواقعة تحت الاحتلال البريطاني، وبفعل الاتصال مع الخارج وتسرب اشعته إلى الداخل، أدرك اليمنيون زيف الاستقلال الذي كان يتحدث عنه الإمام يحيى، وأن ما جرى لم يكن سوى استقلال عن العصر كما عبر عنه الزبيري .
مع نهاية الثلث الأول للقرن العشرين تمكن بعض شباب اليمن من الخروج إلى بعض البلدان العربية للدراسة، أو الهجرة بحثا عن الرزق بعد أن ضاقت عليهم سبلها في الوطن، فهالهم ما وجدوه في الخارج مقارنة مع الأحوال التي تعيشها البلاد، والأوضاع المزرية التي يعاني منها الشعب، من ظلم وجهل وفقر وبؤس وتعاسة، فشرعوا قبل عودتهم إلى الوطن يبحثون عن السبب الرئيسي الذي جعل اليمن ذات التاريخ الحضاري الزاهي تعيش عصر الظلام، وتغوص في وحل تخلف القرون الوسطى وهي متواجدة في قلب القرن العشرين، بينما تمتاز عن غيرها من بلدان العالم العربي باستقلالها، وعدم خضوعها بالكامل للاستعمار كما هو حال دول عربية واسلامية أخرى، فوجدوا أن احتكار السلطة كان السبب الأساسي والعامل الرئيسي في محنة البلد، والمحرض الذي لا يتوقف على الفتن، والمحفز لنيران الصراعات المتوالية، التي أفرغت طاقة الشعب وحيويته في الحروب، بدلا من استغلالها في البناء والتعمير، لذلك سعى الأحرار لفك السلطة من قبضة الفرد، وتخليصها من نزعاته الأنانية في اخضاع البلاد وامكاناتها لرغباته السلطوية، واقترن في وعي الطليعة الأولى أن تقييد أمر الحكم بدستور يوافق عليه الناس، ويضمن اشتراك الشعب في صنع السياسة، هو الخطوة الصحيحة نحو استعادة كرامة اليمن واليمنيين.
لقد كان مطلب استرداد اليمن لسمعتها بين الأمم من بين أهم مطالب حركة الأحرار اليمنيين التي تشكلت قبل أكثر من سبعين عاما، فنظام الإمامة الموغل في الانحطاط وطريقته المتخلفة في ادارة شؤون البلد، أوجد غصة في نفوس الشعب وطليعته المتعلمة التي كانت تشعر أكثر من غيرها بالإهانة التي لحقت باليمن، وتدهور صورتها بين دول الشرق والغرب، وقد ارتبط تحقيق ذلك بمطلبين آخرين هما الفصل بين السلطات، والعدالة بين المواطنين، كما عبر عنها كتاب من وراء الأسوار للأستاذ الشهيد محمد أحمد نعمان “رحمة الله عليه”، وما زال هذا المطلب حاضرا اليوم بعد ثلثي قرن من الزمان، عند شباب ثورة فبراير 2011م، ورثة الرعيل الأول من رواد الحركة الوطنية.