بالرغم من اتهام إسرائيل بالوقوف وراء الهجوم على مفاعل نطنز النووي الإيراني، فإن حاجة طهران إلى تخفيف العقوبات من خلال المحادثات النووية المستأنفة حديثًا ستحد من قدرتها على الرد. ومع ذلك، فإن أي عمل انتقامي إيراني سيزيد من المتابعة العالمية للمفاوضات بين طهران والغرب.
وفي الساعات الأولى من 11 أبريل/نيسان، عانت منشأة نطنز الواقعة جنوب طهران من انقطاع التيار الكهربائي بعد أن قيل إن انفجارًا دمر نظام الطاقة الداخلي الذي يزود أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض. ويأتي توقيت الحادثة في أعقاب أول مشاركة دبلوماسية غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران منذ 3 سنوات، كما يأتي وسط تصعيد بحري وإقليمي متبادل بين إسرائيل وإيران.
ومن المرجح أن يكون الحادث تخريب متعمد بهدف تعطيل تقدم برنامج إيران النووي، فضلاً عن احتمال إفساد المحادثات بين إيران ومجموعة 5+1، والتي من المقرر أن تتواصل في فيينا.
وقد أشارت هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية “كان” إلى أن الموساد الإسرائيلي كان وراء هجوم إلكتروني على المنشأة. كما استشهدت صحيفة “نيويورك تايمز” بتقارير من مصادر استخباراتية إسرائيلية وأمريكية قالت إن انقطاع التيار الكهربائي نتج عن “انفجار مخطط له عمداً”.
ووقع الحادث بعد أقل من 24 ساعة من بدء إيران في تغذية بعض أجهزة الطرد المركزي المتقدمة الجديدة بالغاز احتفالًا بـ”اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية” في البلاد.
ومن المقرر أن تعقد الجولة التالية من المحادثات حول الاتفاق النووي في 14 أبريل/نيسان، بعد إحراز تقدم خلال جلستين بين 6 و9 أبريل/نيسان كانتا أول محادثات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران منذ 3 سنوات.
إذا تم إجراء هذا العمل التخريبي دون دعم من الولايات المتحدة و/أو مجلس التعاون الخليجي، فإن ذلك سيشير إلى رغبة إسرائيل المستمرة في العمل من جانب واحد لعرقلة برنامج إيران النووي.
ويعتبر ضرب إمدادات الطاقة في نطنز، بطريقة يمكن أن تغلق أو تحد من قدرة المنشأة، بمثابة انتصار تكتيكي مهم لإسرائيل. في الأسبوع الماضي، قالت إيران إنها جمعت 55 كيلوجرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، كما أعلنت طهران أنها تتقدم على الجدول الزمني المحدد لتحقيق هدفها السنوي المتمثل في تصنيع 120 كيلوجرامًا على الأقل من اليورانيوم المخصب بهذه النسبة، وفقًا لما ينص عليه القانون الجديد الذي أقره البرلمان الإيراني في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل الحكومة الإيرانية على زيادة القدرة اليومية والسنوية بفضل أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدمًا. وتختصر كل هذه التطورات الجدول الزمني اللازم لحصول إيران على القنبلة النووية، ما يدفع إسرائيل لاتخاذ إجراءات لتعطيله. وبالرغم من إصرار المسؤولين الإيرانيين على أن التخصيب “يمضي قدمًا بقوة” بعد انقطاع التيار الكهربائي، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مصادر استخباراتية في إسرائيل وأمريكا أن الأضرار التي لحقت بأجهزة الطرد المركزي كانت جسيمة وستستغرق إعادة بنائها 9 أشهر، مما يؤدى إلى تأخير تقدم إيران في تخصيب اليورانيوم.
يشار إلى أن إسرائيل انخرطت بين عامي 2006 و2012 في حملة لتقويض القدرات النووية الإيرانية من خلال سلسلة من الهجمات الإلكترونية والعمليات السرية والاغتيالات لعلماء نوويين إيرانيين. وفي الآونة الأخيرة، نُسب إلى إسرائيل أيضًا انفجار في يونيو/حزيران 2020 في مجمع صواريخ خوجير وما تلاه من انفجار وحريق في يوليو/تموز 2020 في نطنز.
ويبدو أن إسرائيل تستهدف إفساد التقدم الأخير الذي تم إحرازه في محادثات الاتفاق النووي التي استؤنفت حديثًا، لا سيما بالنظر إلى أن المحادثات الإيرانية المستمرة مع الغرب تقيد أي رد إيراني كبير، حيث أن هناك فرصة جيدة أن تسفر المحادثات عن اتفاق يرفع العقوبات عن إيران في مقابل عودة طهران إلى الامتثال الجزئي.
وبغض النظر عن أخذ المخاوف الأمنية الإسرائيلية في الاعتبار، فإن أي اتفاق مستقبلي يرفع العقوبات عن إيران سوف يفسره البعض داخل الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية على أنه خطير للغاية. وسيتم اعتبار أي إجراء يؤخر وقت الاختراق النووي الإيراني بمثابة انتصار للأمن القومي الإسرائيلي، حتى لو كان عملاً تخريبيًا يحمل في طياته خطر الانتقام الإيراني.
قالت إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إن الولايات المتحدة لم تشارك في هجوم نطنز الأخير وليس لديها ما تضيفه فيما يتعلق بالأسباب التخمينية. ويشير ذلك إلى رغبة البيت الأبيض في النأي بنفسه عن الحادث قبل البدء المحتمل للمحادثات الرسمية مع إيران. وقد تتعارض سياسة العمل الإسرائيلي الأحادي الجانب مع ما تريد الولايات المتحدة تحقيقه مع إيران، وكذلك في المنطقة على نطاق أوسع.
وحتى الوصول إلى اتفاق بين طهران والغرب، من المتوقع أن تحدث تطورات نووية إضافية في إيران بغض النظر عن الإجراءات الإسرائيلية. وقد أكدت إيران بالفعل أنها ستعيد بناء أي قدرة مفقودة من حادثة نطنز.
إن تطوير البرنامج النووي بشكل تدريجي هو جزء من استراتيجية طهران لبناء نفوذ يمكنها مقايضته في المحادثات. كما أن هذه الاستراتيجية تمكن إيران من بناء معرفة تقنية قيمة في قطاع استراتيجي لدفاعها وأمنها القومي، والتي لن تتنازل عنها مهما كان التهديد الذي تمثله إسرائيل للقطاع. وبالتالي، فمن غير المرجح أن تؤثر الحادثة الأخيرة بقوة على نوع التنازلات النووية التي تقدمها إيران في محادثات الاتفاق النووي الوليدة.
وستضطر إيران إلى استخدام تكتيكاتها المفضلة غير المتكافئة، بما في ذلك الحرب الإلكترونية، للرد على الهجوم الإسرائيلي الأخير. لكن من المرجح أن يكون رد إيران عمليًا ومحسوبًا من أجل الحفاظ على موقف حسن النية عالميا وسط تدقيق دولي متزايد بشأن محادثات الاتفاق النووي الجارية. ويمكن أن تضع الهجمات الإلكترونية، باستخدام وكلاء في مناطق مثل سوريا، ضغطًا عسكريًا محدودًا على إسرائيل، كما أن المضايقات البحرية هي تكتيكات محتملة وقد استخدمتها إيران من قبل في ردها على الهجمات على سيادتها العسكرية أو النووية أو الاقتصادية.
هناك أيضًا احتمال وقوع هجمات إيرانية سرية على منشآت دبلوماسية أو تجارية إسرائيلية خارج إسرائيل. وتتزايد الحاجة للرد بسبب الانطباع السلبي بأن إسرائيل تمتلك معلومات استخباراتية عميقة حول البرنامج النووي الإيراني بما يكفي لشن هذا النوع من الهجمات.
ويأتي هذا العمل التخريبي الإسرائيلي قبل الانتخابات الرئاسية في إيران، والتي يستعد لها المرشحون المرتبطون بالجيش. ويمثل الحادث إحراجًا سياسيًا خاصًا للكيانات الإيرانية المكلفة بحماية المخابرات والأمن الإيراني مثل الحرس الثوري، مما يؤكد أيضًا على احتمالية الرد المحدود.
ترجمة| الخليج الجديد