تزييف الوعي والهوية
لا تعلمون مدى حزني والمي عندما أقرأ مرصوفة من كلمات الذم والتعزير بحق الهوية والتاريخ، بحق الثقافة التي اكتسبناها بعمرنا وعمر ابائنا واجدادنا ، من التعليم والقراءة والبحث، عن الوحدة بكل اشكالها، والهوية العربية، لرصف الطريق نحو وحدة عربية وإسلامية، تبدأ من تجمعات وحدوية صغيرة، تكبر بحجم التحديات والوعي المستوعب لدورها الإيجابي في نهضة الأمة .
مرصوفة من مفرداتها لا علاقة لها بالأدب والثقافة الوطنية والإنسانية، حيث تدفع نحو تزييف الوعي، وتغييب العقل الجمعي للأمة .
تظل فكرة الوحدة ذات قيمة وسمو، رغم مثالب وعيوب البشر، التي التمسناها و نلتمسها بالمنظومة السياسية والسلطوية التي عجزت عن ترسيخ قيمة الفكرة بإيجابية على الواقع، واستخدمتها سلبيا لرغباتها ونزعاتها، فأحدثت شروخ في النفس، سبب انعكاس على تزييف الوعي لدى القلة من الضعفاء والمنهارين .
مهما كان حجم التزييف، يأخذ وقته ويتلاشى مع تطور وعي المجتمع، وعي وأن تقبل الفكرة لفترة خداع، من المستحيل ان يستمر مخدوعا، فيصحو أمام الحقيقة التي لا غبار عنها .
الغير واعي للفكرة، صيدا سهلا للتزييف، فلدينا امثلة كثيرة،ممن عقدوا الندوات و دبجوا المقالات، لتصديهم بما اسموه التطرف الديني، و تطرفوا سياسيا وايديولوجيا، فإذا بهم جزءا من التزييف .
اشتكوا يوما من الاستخدام السيئ لمنابر المساجد، و استخدام عباءة الدين في تزييف الحقائق، وتخريف الفكر، وتجريده من قيمه الوطنية والإنسانية، ويمارسون اليوم نفس السلوك بأسوأ صوره من التزييف .
تحولوا لأساتذة في مدرسة البحث في نفايات وقمامات الماضي، وربطها بالحاضر، و البناء عليها للمستقبل، هم انفسهم رواد التطرف اليوم، الذين يتصيدون نماذج من قمامات التاريخ ونفاياته، يحشون بها فكرهم واختياراتهم، ويطلبون منا ان نتعصب لتعصبهم، و نتماهى مع تطرفهم وسخافاتهم، أو نحتمل مكيال تهمهم وتصنيفاتهم لنا بمزاج مريض لا يشعر بخطورة مرضه غير الاخر الذي يتلقى صدمات هذا المرض وتداعياته على العلاقات بينهما والشراكة والتعايش .
تصور حجم المعاناة، و نتيجة التصادم، بين الوعي والتزييف، وما يعانيه المجتمع من تداعيات هذا التزييف، لكي يفرض نفسه، لابد ان يحطم القيم والمبادئ والاخلاقيات،معتقدا انه بذلك يرصف الطريق لمشروع تزييف للوعي، بل سيطرته على العقل، يدفع بالمجتمع نحو الكارثة، كارثة تفسخ القيم والاخلاقيات، لفرض واقع الرداءة ليغرق فيها الجميع، ويقدم نفسه ببلادة منقذا .
انظر لواقع اليوم، وأنت ترى منقذا يعطل العملية التربوية والتعليمة كرسالة ودورها في نهضة الامة، من اجل ان يضغط على الخصوم السياسيين ويفشل شراكتهم في بناء وطن، تحت مبرر حقوق المعلم، وهو الرسول حامل تلك الرسالة، فعن أي رسالة عليا نتحدث لا تستحق من اجلها ان نضحي، كما ضحى الشهداء بدمائهم الغالية من اجل مستقبل وطن .
وهكذا تستمر عملية التزييف، لتصل الى مستوى اعلى من سلطات الرهان على المستقبل، وهي العدالة الاجتماعية، الرسالة الأكثر سمو في احقاق الحق وازهاق الباطل، وهي السلطة القضائية التي لا ترى في العدالة، غير حقها ومستحقاتها، بينما العدالة لازالت ضائعة، والقتلة يسرحون ويمرحون دون عقاب، والضحايا دون انصاف .
تزييف للوعي من اجل ان يتحول الفرد في المجتمع لأداة لتنفيذ المشروع، الذي يبدأ بضرب الهوية، والبحث في قمامات التاريخ عن هوية بادت بثورة شعب رفضها وقبرها منذ نصف قرن، واليوم يراد انعاش فيها الروح لفرضها عليه في الشمال والجنوب معا، وهو يقاوم ببسالة، ولله في خلقه شئون .