نخبة الوطن والشعبوية
عند التأمل في تاريخ الأمم وتجارب الشعوب، نلاحظ عدم جدوى كلا من النخبوية المحضة، والشعبوية المحضة في حركة تغيير المجتمع والانتقال من الاستضعاف الى التمكين، فكما أن النخبوية المحضة هي حالة من العزلة لا توصل إلى المقصود فكذلك الشعبوية المحضة تفضي إلى الضياع وانعدام المشروع.
فالتغيير والتحول مرتبط بمقدار استجابة الامة للنخبة، ومدى قدرة النخبة على الالتحام بالأمة وقيادتها وإقناعها بالأهداف والغايات وتحمل التبعات.
فالتغيير بحاجة لنخبة حكيمة راشدة ومرشدة لحاضنتها الشعبية، وحاضنة شعبية واعية تنبهها أن أخطأت، وتأزرها إن ضعفت، وتثبتها ان ترددت، وتصونها من الارتهان والتبعية، والتفسخ والسقوط إن تهاوت.
النخبة هي نتاج لتاريخ تراكمي من النضال، ترسخت بوعي صلب عصي على الارتهان والتبعية، والتوظيف لغير الوطن والقضية، فلا خير في نخبة تم صناعتها في مرحلة ما، و بتكتل مرتهن للخارج لا يملك حق القرار والاختيار، لتوظيفها بما يخدم أعداء الامة ، ولا خير في حاضنة شعبية لا تملك الوعي بالقضية، ولا ترى حجم التحديات، والاستشعار بالمخاطر، ويمكن إدارتها بالعواطف والشعارات، وتفقد إرادتها في تقويم اعوجاج النخبة و انحرافها، عرضة للتوهان والخذلان .
عندما غابت النخبة الرشيدة والمرشدة،غاب التغيير، واتخذ التحول منحى خطير، نحو غوغاء الاختلاف، ترسيخا لصراعات تدمر القيم والمبادئ والأخلاقيات، وتحدث ضبابية تحد من مشاهدة الأفعال المشينة، التي تجد لها مبررات شعبية، وبصعوبة بالغة يصنع راي عام لمختلف العقائد والمشارب والتوجهات لمقت تقبل استباحة السيادة والقرار السيادي، وامتهان كرامة المواطن والأمة.
واقعنا اليوم هو نتيجة سيئة للتدخل الإقليمي في الشأن السياسي والعسكري، تدخل في إعادة تموضع قوى التغيير، تموضع يعيد صناعة نخبة واصنام، وتخلق مكونات سياسية وعسكرية، تخدم الاطماع وتعيق المشروع والوطني والتغيير والتحول المنشود، وبالتأكيد تخلق يعيد الروح لقوى الثورة المضادة للتغيير والتحول.
تموضع يغير زوايا الرؤية، حيث لا يفكر المرتهن بمبدأ السيادة، ويعيش حالة من التوهان، تهيئ لقبول نكران الهوية، وتقبل امتهان السيادة والكرامة، والتواطؤ مع الاطماع، وعندما ترى رتب التواطؤ اكاديميا وثقافيا، تعرف حجم المصالح والانانية التي تدير المشهد، حيث لا تستقيم مع مبدأ الحرية والاستقلال، و التحول المنشود.
التدخل الخارجي في الشأن المحلي، يفرز المجتمع لقوى صلبة المبادئ والقيم عنيدة، وقوى رخوة يمكن توظيفها و اللعب بعدادات مبادئها وقيمها، وتغيير زوايا رؤيتها للقضايا، منها يختار النخب والاصنام، لإدارة قطيع مرتهن وتابع مسحور بأوهام، يسعى وراء اشباع رغباته وملذاته، وتوظيفه براتب ونفوذ وسلطة زائلة، تزول وتبقى الأعمال واثارها على المجتمع والوطن والأمة.
واقع اسي، بأسى تقبل ما يحدث في سقطرى والمهرة من امتهان للكرامة والسيادة، بأسى إغلاق مطار الريان، ورفض تسليم ميناء بلحاف، واضعاف دور الدولة والحد من حرية حركتها وسيطرتها وتمكينها للمؤسسات الحيوية وتشغيلها بما يحقق قدر كافي من الدخل القومي، لضمان توفير الخدمات والرواتب ومواجهة حالات الغلاء وتدهور المعيشي للمواطن، ليحفظ له كرامته، وكرامة الامة من التسول للدعم الاممي والإقليمي، الذي لا يحقق غير مهانة وابتذال، ومزيدا من الفساد والإفساد، دعم جعل من البلد مقلب للنفايات العالم، من سلع تالفة ومنتهية الصلاحية، وجعل البلد سوق خردوات العالم، سوق يفتقد لأبسط سبل الحياة الادمية والكرامة الإنسانية واحترام الأمم .
واقع فرض معركة وطنية، وهي معركة السيادة والإرادة، معركة الكرامة والعزة والشرف، معركة لها احرارها الغيورون على وطن وسيادته وهويته وكرامته و وتكامله، في مواجهة الانحراف والمنحرفين، والارتهان والمرتهنين، التبعية والتوظيف السيئ للقضية ومشروع الامة، حيث لا قبول بالمقايضة بجزء من وطن مقابل تقاسم سلطة ونفوذ وقوة زائلة، ولازال الثورة مستمرة، ولن ينتصر غير الحق، و الغيورين على الوطن وسيادته وإرادته، وان غدا لناظره لقريب .