الحوثيون يقدمون أنفسهم كما هم: لا يريدون تسليم الأسلحة التي نهبوها من معسكرات ومخازن الجيش والأمن ويرفضون الانسحاب من المحافظات والمديريات ومراكزها التي احتلوها ويسيطرون عليها بقوة السلاح.
الحوثيون يقدمون أنفسهم كما هم: لا يريدون تسليم الأسلحة التي نهبوها من معسكرات ومخازن الجيش والأمن ويرفضون الانسحاب من المحافظات والمديريات ومراكزها التي احتلوها ويسيطرون عليها بقوة السلاح.
وفي المحصلة هم لا يقبلون بأي حل سياسي للحرب التي دمرت البلاد منذ سيطرتهم على عمران ثم صنعاء ثم الدولة كلها والتي ابتلعوها لصالح لجانهم التي تضم فاسدين ومتهمين بارتكاب جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان وسجناء جنائيين فارين من وجه العدالة.
لا جديد في رفضهم لكل خطوة تقربهم نحو المدنية والسلام واستعادة الدولة الضامنة لحقوقهم مثل غيرهم, ولكن ما يجب الاهتمام به كشف زيفهم عن رغبتهم في الحل السياسي وتحميلهم مسؤولية فشل التوصل إليه الرئيس وحكومته والتحالف الدعم لهما, وهذا ليس صحيحا بالمواقف والمعطيات على الأرض, ولا أقوم هنا بدور المحامي عن جهة قادرة على الدفاع عن نفسها ومواقفها.
بكل سخرية واستخفاف, يعتبر محمد عبدالسلام, المتحدث باسم الحوثيين الانقلابيين, تسليم مليشياته للأسلحة المنهوبة من معسكرات ومخازن الجيش والأمن دعما للقاعدة التي يقدمون أنفسهم للغرب كشركاء في محاربتها تحت لافتة “الإرهاب”, مع أن سيطرتهم على صنعاء والدولة وتمددهم بالمحافظات ساهم في توسعها, بحسب السياسي اليمني الراحل د.عبدالكريم الإرياني.
ويرى متحدث الحوثيين في تصريح صحفي, أن مطالبتهم بالانسحاب من المحافظات التي يسيطرون عليها هي الأخرى دعوة للقاعدة للتمدد فيها, وهذا كلام يحمل مغالطات وخلط أوراق ويعبر عن مأزقهم وفشلهم بعزلتهم محليا وخارجيا ومحاولة يائسة لشحت دعم غربي باعتمادهم شركاء في محاربة “الإرهاب”.
هذا هو منطق وكلاء إيران من العراق إلى سوريا إلى لبنان واليمن حيث يمارسون الإرهاب بكل أشكاله ويدمرون النسيج الاجتماعي ويهيئون البيئة المناسبة والحاضنة للعنف والعنف المتبادل من خلال المظالم التي يتميزون في نشرها في كل الدول التي تسنح الفرصة لحكمها أو لممارسة التنكيل والإقصاء بحق الأغلبية الاجتماعية والسياسية.
نحن أمام حلقة جديدة من مسلسل الرفض للحل السلمي والنهاية السياسية القريبة للحرب التي أكلت الأخضر واليابس وسبق التحذير منها من كل العقلاء حتى وصلنا إليها, واليوم يرفض الطرف الانقلابي الذي أطلق شرارتها في كل مكان القبول بتنفيذ التزاماته الدولية, ويواصل سياسة صم الأذان إلا من الاستماع لزامله “ما نبالي ما نبالي”.
عن أي تسوية سياسية يتحدثون وعن أي مرجعيات يتمسكون وهم أصلا لا يعترفون بها ويشترطون غيرها وفوق هذا وبكل وقاحة يلقون باللائمة على الطرف الآخر في إفشال كل مساعي التوصل لسلام وتسوية تعيد الدولة وتفرض سلطتها؟
قرار مجلس الأمن رقم(2216)الصادر في 14 أبريل الماضي, أحد مرجعيات التسوية, يلزم الانقلابيين فورا ودون أي شروط بـ”سحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها، بما في ذلك العاصمة صنعاء, والتخلي عن جميع الأسلحة الإضافية التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية، بما في ذلك منظومات القذائف”.
وإلى جانب هذا, يدعم القرار شرعية الرئيس المعترف به عربيا ودوليا بخلاف الطرف الآخر الذي لا تعترف به أي دولة حتى إيران التي تكتفي فقط بالتعامل معه كوكيل ينفذ مشروعها التوسعي على حساب مصلحة اليمن وجواره الخليجي ومحيطه العربي.
لكن هل التزم الانقلابيون به؟ على العكس من ذلك, توسعوا في المحافظات وشنوا الحرب على اليمنيين وصولا إلى استدعاء دول التحالف بقيادة السعودية في 26 مارس الماضي التي استجابة لدعوة الرئيس وكذا إنهاء مصدر الخطر الذي يهددها ولم يعد خافيا على أحد.
يرفض الحوثيون الاعتراف بشرعية الرئيس التي يقولون إنها انتهت مع أنهم قبلوا الحوار معه ولم يرفعوا شعار إسقاطه تصديقا لمزاعمهم بانتهاء فترة ولايته وركزوا كل عملهم على إسقاط حكومة الوفاق الوطني حتى تحقق لهم الإطاحة بها عشية سيطرتهم على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014.
نختلف مع الرئيس في إدارته للبلاد ولا نبرر له فشله وعجزه في استثمار الفرصة التي سنحت له للتغيير خاصة مع الدعم الكبير الذي حظي به محليا وخارجيا, وهو يتحمل المسؤولية الكبيرة في وصولنا إلى الحال الذي نراه.
لكن هذا الخلاف معه لا يبرر لأي طرف أيا كان الانقلاب عليه وإزاحته بالقوة سواء بحجة فشله أو انتهاء فترة ولايته على اعتبار أن الشعب هو المعني بتقرير مصيره عبر طريقة مجيئه للحكم وهو الصندوق الانتخابي, وليس الانقلابات المسلحة.
كان بالإمكان التوافق مع بقية القوى السياسية لاستكمال النواقص بمسودة الدستور لعرضها للاستفتاء وإصلاح السجل الانتخابي وصولا للانتخابات بعد سته شهور, ومن حق أي مكون ترشيح من يريد والشعب صاحب القرار.
لا يمكن القبول بالانقلاب ليس لأنه جاء من الحوثيين وحليفهم, وليس لأنه ضد شخص هادي الذي وضحت موقفي منه وانتقدته منذ أواخر 2013,ولكن لأن المسألة تتعلق برفض الانقلابات ومع تكريس التداول السلمي للسلطة والسلام.
الأمر الآخر لا يريد الحوثيون سحب مسلحيهم من المحافظات وهذا شيء غريب لأنه لا المحافظات حق رئيس يقولون عنه فاقد للشرعية ولا حق أحزاب موالية له يتهمونها بالعمالة لمجرد تأييدها حقه في الاستعانة بأشقاء لإعادة سلطته ولا هي ملك لهم ولم يفوضهم أحد بتسيير أمورها.
الأغرب من هذا أن الحوثيين يعتبرون مليشياتهم المعروفة باسم “اللجان الشعبية”, هي أحد الجهات التي يُفترض أن تتسلم مع جيش وأمن صالح مهام الأمن وحماية مؤسسات الدولة بعد التوصل لأي تسوية, ولا يخجلون من ذلك إطلاقا.
لقد قالها محمد عبدالسلام صراحة في مقابلة صحفية في 12 نوفمبر الماضي, حين سُئل عن انسحاب مسلحيهم وأجاب “لا يمكن القبول بالمساس بالجيش والامن واللجان الشعبية كمؤسسة عسكرية وطنية قدمت التضحيات وتقوم بواجب الدفاع المقدس عن الأراضي اليمنية من خطر القاعدة والغزو الخارجي وليست مؤسسة فردية ولا حزبية او عائلية”.
إذا تحدثنا عن أعداد مليشياتهم دون التطرق لأعداد جيش صالح, فنحن أمام جيش مليشياوي داخل الدولة ويكفي أن نستشهد هنا برقم هو الوحيد المعلن على أنه لا يعبر عن الرقم الحقيقي لأعداد مليشيات الحوثي سواء كانت”لجان شعبية”,أو غيرها وهذا الرقم هو 37 ألف مقاتل يستلمون مرتبات من الدولة سواء تم تجنيدهم أو إحلالهم مكان غيرهم ممن تم إقصائهم بطريقة غير قانونية منذ السيطرة على صنعاء.
هذا الرقم كشفه توجيه كتابي من”اللجنة الثورية”,التابعة للحوثيين في شهر يونيو الماضي,ويخاطب القائم بأعمال وزير المالية ومحافظ البنك المركزي وخلاصته صرف راتب إكرامية لمقاتلي”اللجان الشعبية”.
لا أحد يعرف على وجه الدقة كم جند الحوثيون في الجيش أو الأمن أو الأجهزة الاستخباراتية ولكن يكفي هذا الرقم لتوقع ما هو أكبر وأخطر في عملية ملشنة الجيش والأمن,على غرار ما فعله نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق عندما قام بعملية دمج واسعة لمليشيات طائفته في الجيش والأمن العراقيين على حساب إقصاء بقية المكونات ما تسبب بحرب أهلية لا تزال قائمة تهدد وحدة بلاد الرافدين.
وطالما هذه هي مواقف الحوثيين وأعمالهم فلا تعويل على حل سياسي قريب سواء بالمحادثات المتوقع عقدها في الشهر الجاري أو في مرحلة لاحقة ما لم تتغير موازين القوة على الأرض وتتحرر محافظات استراتيجية من سيطرة المتمردين تجعلهم يخضعون مجبرين لمنطق الواقع لا الأماني والرغبات بالتسوية السياسية.