هذا الصباح الرابع الذي يأتي وأنت بلا دواء يا خالد، أخشى من السلام عليك ككل الصباحات التي خلت، أخاف من أنينك البعيد، بي وجل من السؤال عن شاب يجري الوجع في عروقه وخلايا جسده! هذا الصباح الرابع الذي يأتي وأنت بلا دواء يا خالد، أخشى من السلام عليك ككل الصباحات التي خلت، أخاف من أنينك البعيد، بي وجل من السؤال عن شاب يجري الوجع في عروقه وخلايا جسده!
كيف لي أن أسألك عن حالك؟ فكيف سيكون حال مسكون بالسرطان فقد آخر جرعات (الجليفيك) قبل يومين، والجليفيك لم يكن دواءً كما نتخيل، لقد كان مجرد كبسولات تخفف من الألم أو تلهي المريض عن الاستسلام للوجع، تماماً كما تفعل الأمهات لصبيانهن الرضع، حين لا يجدن حليباً فيضعن في أفواههم الصغيرة مصاصات فارغة تسمى “باللهايات”، ويقال لها في أماكن أخرى “كذيبات”!
أنت ورفقتك يا خالد، فقدتم تلك الكبسولات “الكذيبات” التي كانت تلهيكم عن الوجع وشدته وقسوة وطأته، نخذلكم يا سيدي ونحن نغض الطرف عن أوجاعكم الضاربة في جذور أنفسكم، وأعماق أجسادكم وتفاصيل حياتكم ويوميات أبناءكم وأسركم!
كم هي القسوة التي أوصلتنا إلى هذه اللحظة الكارثية يا خالد!
خجل أنا من البحث عنك اللحظة، قلبي ينقبض بين الحين والآخر، لا أستطيع أن أتخيل دخولي مواقع التواصل، بدون ان أراك لو حل بك مكروه لا سمح الله، ماذا سيكتب التاريخ عنا يا خالد، لو حلت الكارثة وفقدناك أنت ونحو 800 مريض مثلك فقدوا مسكنات الوجع منذ بداية ديسمبر الحالي، هذا اليوم الرابع الذي عليكم أن تواجهوا فيه خلايا السرطان المستقوي بالخذلان وأسلحة العبث في وجوهكم!
أواه يا خالد، أواه يا شقيق الروح، رغم جلدك ورضاك اللامحدود، وصبرك واستسلامك المطلق لمولاك وشكرك له على نعمه وبلاءه، رغم أنك تنظر إلى النصف الممتلئ من الكوب، حينما تشفق علينا إن تعاطفنا معك، فتقول: والله أنني في نعمة كبيرة حيث جعل الله لي مرض السرطان طريقا إلى القلوب، فيض محبتكم تكفيني وهي نعمة أكبر من البلاء” هكذا تقول لي دائما، لكننا متدثرين بالعجز يا خالد، ما نفعل بالمحبة إن فقدنا الأحبة بسبب نقص الدواء!
أنا عاجز يا خالد، عاجز حد أقصى درجات العجز، مقيد بالوجع الذي يهز جسدك ورفقتك من الأطفال والفتيات والأمهات والشباب، لا أستطيع تخيل نظرات صغارك إلى عينيك اللتين كدت تفقد البصر جراء تدهور حالتك الصحية ذات مساء، كم كانت صفحتك في فيس بوك تتقاطر منها حروف الأسى كأنها دبابيس تخترق ضمائرنا!
لن أسمح لنفسي بخذلانك يا خالد أنت ورفاقك، لن أقبل أن يلعنني التاريخ ولا الأيام لو حدثت الكارثة –لا سمح الله- أنا مدرك جيدا معنى اللحظة التي تمر بكم الآن، مدرك لتفاصيل التفاف أطفالك حولك استغلالاً لكل لحظة بجوارك، يتمسحون بك يتلمسون أطرافك، يتحسسون جسدك، وهم ينتظرون أن تنتصر إنسانيتنا لك فنقف معكم في وجه السرطان، أو لا شيء سوى عدّ الدقائق والثواني لاقتراب ساعة الفزع!
أخي وصديقي..
هي لحظة موجعة، وأنا والذي خلقك لا أطيق فعل شيء هذه اللحظة، لكنني لن أخذلك يا شقيق الروح، سأتواصل الآن بأي فريق طبي يمكنه أن يقبل بتبرعات الأعضاء البشرية، وأبيعهم إحدى كليتي للمساهمة في إنقاذ حياتكم.
لا شيء يمنعنا من إنقاذ بعضنا، لا عشنا إن استمر بكم العناء، لا مذاق للحياة في وجود الوجع المتراكم الذي يتخلل مسام جلودكم ويسيل في أوردتكم مع جريان الدم في العروق.
تخلت عنكم المنظمات الدولية الإغاثية، وبدأت تتاجر بحالتكم الإنسانية، واتخذكم القريب والغريب متاعاً للاستغلال السياسي الرخيص، فلن نقبل أن يظل وجعكم عبارة عن قطعة قماش في سوق نخاسة، يستثمرها من يتحدث العربية والإنجليزية، نحن في صفكم، ولن نخذلكم يا خالد، أنا عند وعدي لك، والذي خلقك لن أتركك ورفقتك، فما نحن إلا جسد واحد، ويكفينا أن نمنح الحياة لبعضنا بأي ثمن كان.
كن بخير يا صديقي .. وانتظر العافية الدائمة قريباً، فلن يحرمنا الله من ابتسامتك وستظل بين صغارك أباً حنوناً.
#لن_نخذلكم
#عودة_أمي