ارحموا (الريال) عزيز قوما ذلّ
المواطن في بلدي يبحث عن ذرة أمل، في هذا الوضع الكئيب والبائس الجاثم على صدره، وكلما اشتد الصراع القوى فوق راسه، كلما ازداد كآبة وبؤس .
عدن لها وضعها الخاص، عشنا فيها كمجتمع معظمه موظفين، معتمدين على الدخل المحدود بالراتب، والراتب بالعملة المحلية الريال اليمني، وجدنا انفسنا بعد 2015 م في وضع غير منضبط قانونا ، سياسيا و اقتصاديا، وضع منفلت، بعدد المكونات المنفلتة المتسلطة على هذا الواقع، التي لا تحتكم لرأس، ولا سلطة، ولا نظام واحد، بل تحت حكم لرؤوس متعددة متناحرة، وسلطة نفوذ ومصالح، مزاجها هو المسيطر، وكلا له نافذة تمويل مختلفة، كلها بعملات أجنبية، مما فرض حالة من التعاملات الاقتصادية، وتداول البيع والشراء بالعملة الصعبة، حتى الضمائر والذمم والأرض والعرض والرشوة وغيرها من وساخة البشر ، تباع في سوق النخاسة بالعملة الأجنبية، فلا مسؤول، ولا سلطة كانت محلية ومركزية، ولا امر واقع، ولا نفوذ عسكري ومدني، تعنية العملة المحلية، وعلى راسهم الفساد والفاسدين، الا القلة ما رحم ربي منهم .
وكلما هبط سعر العملة المحلية، كلما ارتفع سعر صرف العملات التي يستلمونها، وارتفع دخلهم، ويبقى المواطن ذوي الدخل المحدود هو الضحية، براتب بالعملة المحلية، التي تهبط قيمتها على الأرض، ومعها يهبط المستوى المعيشي للموظف وذوي الدخل المحدود، وترتفع أسعار السلع الضرورية بشكل جنوني، والمنتجات المحلية تتأثر باحتكار السلطة، ومنافذ التصدير والتوزيع، والنتيجة ازمة.
ازمة المواطن فيها هو الضحية، واقع في ورطة الراتب، الذي يقدم بقطارة، ولا يفي بالاحتياجات الأساسية، ولا يستطيع أن يحقق نسبة من الكرامة في الاكتفاء الذاتي للبقاء المواطن وأسرته احياء يرزقون، فيعاني المجاعة والمرض والفقر والجوع والذل والهوان، الهلاك التدريجي للإنسان.
واقع منفلت سبب عدم توازن في الطبقات الاجتماعية، أي عملية اختلال طبقي، قسم المجتمع لقوى نفوذ وتسلط وهيمنة، تعيش بذخ الحياة ونعيم هذا البذخ، تبنى لها المولات والاستراحات، وترى حجم تبضع أفرادها في الأسواق، وتبني القصور وتركب أفخم أنواع السيارات، وطبقة فقيرة تبحث عن يسد رمقها لتبقى في الحياة يوما اخر، وتكاد تختفي الطبقة الوسطى، مما يزيد من حجم استغلال الانسان لأخيه الانسان، بل استغلال سبل و وسائل الحياة بيد طبقة من الإقطاعيين المتحكمين بالعملة، ويمتلكون مراكز الصرافة ، ومع تركز السلطة بيد الأقوى، لا الأفضل، تستخدم تلك السلطة للسيطرة على الموارد، ومع الفساد المستشري، وتعطيل النظام والقانون الضابط، يبرز فساد أكثر خطورة، وهو فساد قوة الأمر الواقع، التي تسوق نفسها منقذ، وهي تستحوذ على ما تبقى من سبل الحياة والمعيشة و والكرامة، والمؤسسات والإيرادات، دون رحمة ولا شفقة لعزيز قوما ذل .
كل هذا لم يأتي من فراغ، بل هو سياسة معده مسبقا لتخلق تلك الكيانات، وانهاك البلد، وتعطيل أي فرص للنجاة والحياة، لتبقى الأرض ومن عليها تتوسل الحلول والدعم من الخارج، والخارج اليوم هو التحالف، يبقى السؤال تحالف ماذا؟ تحالف دعم النظام السابق الذي كان وكيل لسياسات دول التحالف، وتحالفوا اليوم لتأديب هذا الشعب الذي قال للوكيل ارحل، وهم يتحالفون اليوم لفرض وكيل مطيع لأوامرهم، ومرتهن لهم وتابع لسلطتهم، ويرتبون لتربعه السلطة.
تبقى السياسة الاقتصادية والمصرفية، والنظم والقوانين، والحكومة، والقائمين على تلك السياسة، رهين ذلك الواقع وادواته وما يفرضه على الجميع، وتبقى المشكلة والمسئولية على عاتق من صنع لنا ذلك الواقع، وعلينا ان نحدد بدقة من المسؤول؟ وما هو المطلوب؟ ونصرخ عاليا رافضين الأسباب والمتسببين.
باختصار لم نعد كمواطنين نحتمل المزيد الريال يهبط لمستوى لم نعد بمقدورنا الاحتمال، ضاقت الخيارات امام المواطن اليمني، بين الحياة أو الموت، بين الكرامة والإهانة، وبين العزة او الذل، الصبر معناه ان يموت وهو ذليل ومهان، ولهذا لا مجال أمامه غير تغيير هذا الواقع، وتصحيح مسار الحياة، لما يلبي تطلعاته وآماله بالحياة الكريمة والعزة والشموخ، لوطن ضامن للمواطنة والتعايش بين كل الأطياف والفصائل والاعراق، وطن يستوعب كل أبنائه بالتساوي، ونظام وقانون ضابط لكل ذلك، في بيئة صحية لتفعيل كل النظم والقوانين، والمؤسسات الرقابة والمحاسبة، لتستعيد الدولة روحها على الأرض، وعلى قدر صلاح النوايا تأتي العطايا والفرج .