استحالة تخلق دولة مدنية بكذا عقلية!
كم هو مؤسف في مدينتي عدن المدنية أن تستيقظ صباح يوم مفزوع، بصوت ونان الشرطة، وتخرج للشارع لترى موكب عسكري بما لا يحصى من الأطقم المسلحة.
وتسأل موكب من هذا؟
فالإجابة، القائد فلان، مجرد قائد أمني في المحافظة، مسؤول عن أمن المواطن وسكينته، وتنفيذ النظام والقانون، كان سلفه بالوظيفة قبل ان يأتي هولا يتجول بسيارة واحدة دون حراسة، ودون ونان، نعذرهم ما تعلموا اتيكيت العسكرة!
سيتعلمون، والكارثة بالعقلية التي ابتلينا بها، والمهمة التي أحدثت كل تلك الضوضاء.
لا هي غارة جوية، ولا مداهمة لوكر عصابات، ولا مطاردة الخارجين عن القانون، قانون ايه الي نتحدث عليه، ذا المهمة بذاتها كانت اغتيال للقانون.
المهمة تحكيم قبلي لقضية بين رجل أمن، ضاق ذرعا بمواطن، اعترض على تصرف مسيء للأمن، العاجز على تنفيذ القانون بشكل حضاري وراقي، و عبر المواطن عن سخطه من ذلك التصرف بصورة أكثر احتراما، وكلمات تهز الضمير، وتهدي العقل بالقول (لا حولا ولا قوة الا بالله )، كلمات أشعلت غضب رجل الأمن، وتوحش في وجه المواطن البريء الاعزل، وأطلق عليه الرصاص الحي واصابه ،يا للهول، كيف يأمن الناس على أرواحهم من هكذا أمن .
موقف في الشارع العام وامام الناس، سبب احتجاج عام، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعية سخرية وسخط، لتتحول لقضية راي عام،وكان المفترض ان يقدم الجاني للعدالة بتهمة الشروع بالقتل, ليكن عبرة لكل من يرفع السلاح في وجه المواطنين العزل ، وإنصاف المجني عليه، وأنصاف لمدنية عدن وثقافتها، وأبنائها المتطلعون لدولة النظام والقانون .
ويبدو ان المعنيين لا يحترمون القانون كثقافة عامة، ولا سلوك عام، كان الهدف هو اغتيال تلك الثقافة، واستبدالها بثقافة عسكرة العقل ، لكي يرفض ذلك العقل الانسجام مع خصوصية عدن، وينسجم مع عقلية تلك الوحدات العسكرية، او بالأصح المليشيات، لان المليشيا هي ثقافة وسلوك لا تخضع للنظم وقوانين دولة ومؤسسات، تحتكم لمزاج من يقودها، ومن يدعمها.
فاجتهدوا لاحتواء القضية، باللجوء لفرض التحكيم القبلي، ومع كل محاولة يرفض اولياء امر الضحية، و يطالبون بتنفيذ القانون، وهو المستحيل مع هكذا عقلية، تضغط بقوة فوق قدرات المواطنة، ليتم فرض التحكيم، والقبول على مضض, مع خجل نحر ثور والاغتسال بدمه .
لتكتفي قوة الأمر الواقع بفرض مشهد الغذاء الجاهز، ليكتمل سيناريو الثقافة القبلية والقروية في عدن المدينة والمدنية.
وعلى عدن ان تتقبل تلك الثقافة، وتنسى النظام والقانون، لم تكن تلك القضية الاولى وليست الاخيرة، في ظل سلطة تلك العقلية.
كل تلك أموال تصرف وتبعثر، وقضايا تحتوى لصالح نفوذ وافراد وجماعات، وضحايا تنتهك حقوقهم، وتفرض عليهم حلول مجحفة ومهينة لكرامتهم و كرامة مدينتهم وحقهم بنمط الحياة التي عاشوها و عشقوها و ارادوها.
كيف لدولة مدنية، دولة النظام والقانون ان تتخلق في إطار هكذا عقلية، لا تعي ما جوهر عملها، و محور عمل رجل الأمن هو ضبط النظم وتنفيذ القوانين على الواقع، لتحكم بين الناس بالعدل وتضبط علاقاتهم ببعض بالنظام.
فلا تنتظروا دولة مدنية من هكذا عقلية!
والله المستعان!