لن تتعافى عدن والطفيليات تنهش جسدها
لن ترى عدن دولة محترمة، ضامنة للمواطنة والحريات والعدالة، في ظل بقاء طفيليات الحرب الجاثمة على واقعها، كم تعرضت عدن لحروب، كانت لحرب 2015م ضررها الاسوأ بين كل تلك الحروب، بحكم الاحتقان الطائفي والمناطقي الذي تسيد المشهد، وتسلح بمليشيات تخلقت على شكل كيانات خاصة، و وضعها على طول وعرض المشهد السياسي والعسكري و المدني، واسس له خطابه الخاص وتخاطبه، وفرض ثقافته وافكاره على الاخرين، وجرف واقع عدن من ايقونته الاجتماعية، ولخبط الوان أطيافه، في تشويه واضح للمشهد العام، الذي لا يمكن ان يسمح لترسيخ دولة تعيد ترتيب وضبط ذلك المشهد، بحكم المصالح التي تشكلت وتعمقت في ارضية المشهد بكل تجلياته، مصالح تحتمي ببندقية بيد عسكري بليد.
مشهد لا ينفع معه عملية الترقيع، ونكران الحقيقة والمغالطات، والحل لن يأتي دون تقييم صادق ومحايد ونقد بنا للواقع، ولن يستقيم عود للدولة والنظام والقانون والعدل في عدن، دون اعادة ترتيب ذلك المشهد بما يتوافق وخصوصية وايقونة عدن، التي يعرفها القاصي والداني، كمدينة كونية تتعايش فيها الأطياف والأعراق والأفكار، بنظام وقانون ضابط الإيقاع العام للحياة والعلاقات، كحضن يستوعب كل القادمين إليها وفق شروط تلك الخصوصية، ان يدخلها القادم خالي من العصبية، ويندمج مع مجتمعها المتعايش بتسامح وتوافق، وهي شروط الاستقرار، أهم مرتكزات المناطق الاقتصادية والتجارية.
تعشم الناس خيرا في محافظها الجديد، والبداية الطيبة التي قدم نفسه للناس بانه يمثل الجميع، واتى ليصلح ما خربته الحرب، ويزيح من على كاهل عدن الفوضى والعشوائية، محاولا ان يجعل من المليشيا رجال دولة، يضبطهم النظام والقانون، حاول ويبدو أنه يتعثر بتلك الطفيليات.
هو يحتاج لدعم المجتمع المدني، وعليه ان يبدأ بإصلاح ذلك المجتمع ومكوناته الاساسية، عليه ان يدعم حرية وحركة مكونات المجتمع المدني، ويزيل ما علق بها من تفريخ سياسي وتعدد المسميات والدعم السياسي والعسكري للبعض في صراع مع البعض، لهدف اضعاف هذا المجتمع، واستخدامه استخدام سياسي قذر لفرض واقع المشهد المشوه.
على سبيل المثال لا للحصر، الحركة العمالية التي كانت مرهقة من تجاذبات النظام السابق، واعتقدت انها بتحرير عدن ستتنفس الصعداء، وكان العكس، لم تتحرر عدن، بل انتقلت من سيطرة لسيطرة، ومن عنف لعنف أشد، ومن عقلية لعقلية، ومن تحكيم قبلي، لتحكيم قبلي اخر يدوس على النظام والقانون، وجدت الحركة العمالية نفسها ضحية هذا الوضع، استهدفت في بنيتها التحتية و واصولها، وتم نسخ كيانات مزورة، بقوة البندقية، وعنجهية العقلية، استولت على مقرات و وثائق تلك الحركة، وداست على أدبياتها وتاريخها وتراثها، وتجاوزت عضويتها الدولية والعربية والاتفاقات المبرمة، وآتوا بمن لا علم له ولا دراية بأبجديات العمل النقابي أخرجوهم من تحت جلباب العصبية والمناطقية والايدلوجية، ومن احراش القروية، ليديروا مدنية عدن، كان منتج للفوضى في عدن، فوضى الاضرابات والمطالبات ذات الطابع السياسي الممزوج بالمناكفة والضغط للمحاصصة وفرض المشهد المزري اليوم.
والأمثلة كثيرة في مجالات عدة، ذكرها يحتاج لمجلدات، من ينكرها عليه ان يراجع التركيبة العسكرية لعدن والوظيفة المؤسسية التي تفرض على عدن، سيجدها تركيبة لا تتناسب وخصوصية وايقونة عدن، وهي تركيبة المشهد المعيق للدولة الضامنة للمواطنة والحريات والعدالة، ويبقى الحال على ما هو علية، في ظل غياب متعمد للقضاء، حتى يأتي من يستطيع تفكيك تلك الطفيليات، وانقاذ جسد عدن من النهش، ليعيد لعدن القها وايقونتها وخصوصياتها وتعود عدن أم المساكين، والحضن الدافئ وقوتهم السهل، ومعيشتهم المريحة، وكرامتهم وعزتهم، تسامحهم وتوافقهم، عشقهم وحبهم وانصافهم،والمظلة التي تحميهم من حرارة القهر والظلم والتعسف والغلاء والبلاء، عدن امهم التي تجمعهم و يتعايشون فيها و يتقاسمون اللقمة والحاجة والنعمة والغمة، وهم سعداء بسعادة عدن .