مساجد ” تعز” اليمنية في ظل الحرب.. بين قصف الحوثيين والاستقطاب العسكري
سمع المسجديّن القريبين منه على وشك أن ينتهيا من خطبة الجمعة الثانية، لتبدأ عقبها صلاة الجمعة، احتار أي المسجدين يدخل، فقال له أحد المارة وكان مسرعا، ليؤدي في المسجد الصلاة” المسجد عن يمينك مسجد السلفيين، والذي عن يسارك مسجد الإصلاحيين، وأشار إلى مسجد ثالث يسيطر عليه الحوثيون، فدخل “أبو نجيب قاسم” المسجد الأقرب إليه التابع للسلفيين. يمن مونيتور/ تعز/ من وئام عبدالملك
سمع المسجديّن القريبين منه على وشك أن ينتهيا من خطبة الجمعة الثانية، لتبدأ عقبها صلاة الجمعة، احتار أي المسجدين يدخل، فقال له أحد المارة وكان مسرعا، ليؤدي في المسجد الصلاة” المسجد عن يمينك مسجد السلفيين، والذي عن يسارك مسجد الإصلاحيين، وأشار إلى مسجد ثالث يسيطر عليه الحوثيون، فدخل “أبو نجيب قاسم” المسجد الأقرب إليه التابع للسلفيين.
لم يعرف اليمنيون أي فرز للمساجد بهذه الطريقة حتى سيطر الحوثيون وحليفهم الرئيس السابق علي صالح في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014م، على الشرعية في اليمن، ودخلت المساجد في الصراع بقوة منذ ذلك الوقت، واستهدف الحوثيون أئمة المساجد بالاختطاف أو المنع من الإمامة أو الخطابه فيها، بالإضافة إلى تفجير مساجد عديدة تابعة لخصومهم، وتطور الأمر حتى وصل إلى التفجير بجوارها كما حدث في مدينة صنعاء، بعد أن تبنَّى ما يُعرف “بتنظيم الدولة” حادثة تفجير مسجدي “الحشوش” و”بدر”.
وعانت محافظة” تعز” وسط اليمن، التي ينتمي لها “أبو نجيب قاسم” بعد سقوط أجزاء واسعة منها بيد الحوثيين وحليفهم صالح في أواخر مارس الماضي، من استهداف كبير للمساجد، وتخويف للمصلين خاصة في شهر رمضان الماضي، وحتى الآن.
مساجد موجهَّة
وتابع قاسم:” كنت أنتظر وأبنائي يوم الجمعة بصبر نافذ لنتمكن من سماع دروس في الدين تقوي إيماننا، وتنبهنا إلى أخطائنا، أما اليوم فإن أبنائي الصغار من الذكور والإناث، لم يعودوا يرغبوا بالذهاب إلى المسجد، فخطب الجمعة أصبحت سياسية، وتحث على القتال، فأكثر من مرة وبسبب خطبة الجمعة يكون المصلون على وشك التشابك بالأيدي أثناء الخطبة، والذين يؤدون الصلاة في المساجد هذه الأيام يعرفون ذلك”.
وتخضع رسائل المساجد الموجهة لداعميها، فهناك مساجد يتم دعمها من فاعلي خير من دول مجاورة أو يمنيين، ومساجد ناطقة باسم أحزاب وجماعات، فأصبحت هناك مساجد تدعو للقتال ضد الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي صالح، وتعمل على استقطاب الناس، ومساجد تدعو للقتال في صفوف الحوثيين وحلفائهم، وتستقطب المواطنين للوقوف في صفها، وكل مسجد تصدح من منابره الدعوات ضد الفريق الآخر، إمام جامع أبو موسى الأشعري بوسط تعز قال:” المساجد لله، ونحن ضد استخدام المساجد للاستقطاب”، وتابع:” بأن مسجد أبو موسى الأشعري، غير مسجل بالأوقاف، وتمويله طوال الأعوام الماضية يقوم به فاعلو خير، فالعمل فيه فردي، ولا يتبع المسجد أي جهة، لذلك فإن رسائله غير موجهة، إذ نحرص على النأي بالمسجد عن أي صراعات”.
أم أسماء قالت:” بأنه وفي ظل إغلاق المدارس لأبوابها في تعز، يجب على المساجد أن تقوم بدور تعليمي للأطفال كما تفعل ذلك بعض المساجد، وبأن عليها أن تكون معتدلة”.
أهداف عسكرية
زارت مراسلة” يمن مونيتور” مسجد السعيد وكان مغلقا، وأفاد أحد حراس جامعة السعيد والمسجد:” أن المسجد مغلق منذ حوالي شهرين، بعد تعرضه للقصف أكثر من مرة.
وأصيب ثلاثة أطفال ومدني آخر بقصف للحوثيين على المقبرة المحاذية للمسجد، الجمعة الماضية (20/11).
وأضاف حارس المسجد الأكبر في “تعز”، “أن السلفيين يحرصون على فتح المسجد لأبوابه، فهو بيت الله ولا يجب إغلاقه، لكن الشيخ حمود سعيد رئيس المجلس التنسيقي للمقاومة الشعبية يرفض ذلك، حفاظا على أرواح المصلين، فالمسجد يتعرض بين الحين والآخر للقصف، وأكد بأنهم يقوموا بتنظيف المسجد، بعد تعرضه للقصف، وبأنهم بصدد التجهيز لفتحه ثانية خلال أيام”. حد قوله
وتحدث إلى” يمن مونيتور” أحد سكان منطقة” عصيفرة” بوسط تعز، فضل عدم ذكر اسمه قائلا:” إن العديد من المساجد التابعة لحزب الإصلاح والسلفيين، تعرضت للقصف في تعز، وإن” مسجد السعيد” بدأ يتعرض للقصف بعد أن أصبح السلفيون يديرونه، حين تركت إدارته بسبب الحرب أسرة هائل سعيد المعروفة بتعز”.
وتابع، “الدعاء على الحوثيين وحلفائهم بعد تعرض المدينة للقصف، هو ما أثار سخط الحوثيين وأنصارهم، وكذلك خطب الجمعة”.
وأضاف، “أن الأمر في هذه الحرب لم يتعدَ قتل الناس فقط وترويعهم وتهجيرهم، بل إن الاستهداف وصل إلى المساجد والدين، فحين تعرض مسجد السعيد للقصف أثناء صلاة الجمعة في الرابع عشر من شهر أغسطس الماضي، كنت أصلي في المسجد، دخلنا المسجد” مبدلين(أي: بملابس نظيفة)، وخرجنا كأنا عمال إسمنت يملؤنا التراب”، ومنذ ذلك الحين وبعد أن تم استهداف أكثر من مسجد، لم أعد أصلي في المساجد، أتذكر كذلك يوم أن صليت مع أبنائي في أحد المساجد، فبعد أن علم المصلون بأمر تواجد الشيخ حمود سعيد في المسجد شعروا بخوف شديد، وأجزم بأنهم لشدة خوفهم، لم يعرفوا حتى ماذا كان يقول الخطيب، حتى انتهت الصلاة، وحين لم يحدث شيئا ولم يحدث أي قصف، ذهبنا جميعا لنُسلم عليه”.
ويقول “خالد يحيى”، صاحب ورشة سيارات في منطقة” عصيفرة”، “إن المساجد مهما كانت رسائلها، ينبغي عدم استهدافها، وللأسف فهناك نوع من التحريض في المساجد، ولا يوجد خطاب للم الشمل، والدعوة لوقف الاقتتال والوئام، وأصبحتُ كالعشرات ننأى عن الذهاب إلى المساجد يوم الجمعة تحديدا”.
صراع عنيف على المساجد في عموم الجمهورية اليمنية، اشتد في ظل الحرب، لأن المساجد، لها تأثير كبير في ظل المجتمع اليمني الذي يوصف بأنه محافظ ومتدين، واختلفت أدوار المساجد كثيرا في ظل هذه الحرب.
وهناك من يعتقد أن الدور الذي تقوم به المساجد الآن في ظل الحرب يعد نشاطا طبيعيا.
أدوار جديدة
الباحث والكاتب اليمني فهد سلطان قال لـ”يمن مونيتور”، “إن المساجد اليوم لم تعد تؤدي رسالتها ودورها حسب التوصيف القرآني وحسب ما هو مقرر في الإسلام، مهمة المساجد هو تعليم القرآن الكريم, والتعليم هنا يختلف عن التحفيظ، ومع الأسف اهتم الناس بالتحفيظ وغاب التعليم، ومهمة المسجد أن لا يدعوا مع الله أحداً، بحيث لا يمثل حزب ولا طائفة ولا مذهب، مسجد يجمع المسلمين بكل اطيافهم يسمعون فيه الموعظة الحسنة والتذكير بالقرآن الكريم دون سواه، وشيء من السيرة النبوية فقط، لقد تم تسيس المساجد تارة وإضعاف خطابها تارة أخرى، الى اللحظة التي باتت المساجد اليوم مكاناً لنشر الأحقاد وإشعال الفتن ونشر الفوضى في صفوف الناس”.
وتابع، “المساجد مختطفة بكل ما تعني الكلمة، والخطاب الديني الذي فيها في معظمة لم يعد يمثل الإسلام، وإنما يمثل المسلمين في تكويناتهم الى اللحظة التي أصبحت المساجد مصدر للتشويش على الناس، وهناك خلل كبير وهو ليس وليد اللحظة، والمساجد خلال التاريخ الإسلامي كانت مستقلة تماماً عن الدولة، ومثلت منبراً حراً للمسلمين وقدمت دورا جميلا أصبح مفقودا تماماً على الأقل في هذه المرحلة، وبقدر ما حاولت السلطات في عدد من الدول أن تسيطر على الفوضى التي تجري في المساجد، بقدر ما تم تجيرها لصالحها، بحيث لم تعد تمثل المسلمين بقدر ما أصبحت تمثل الدولة، وتحاول أن تستهدف الناس وتطوعهم لها وهكذا”.
وأضاف “سلطان”، أنه ومع مجيئ جماعة الحوثي، زادت الأمر تعقيداً وبصورة لم تكن حاضرة من قبل، فالمساجد تحولت الى أماكن شحن وتحريض ومثلت نقطة إرهاب بكل ما تعني الكلمة، وهذا لا يعني بأنها كانت من قبل أحسن حالاً، غير أن الوضع الآن زاد تعقيداً وبصورة فجة، فالمساجد تحولت الى أماكن للعصبيات ونشر الطائفية والتحريض ومكان للقتل، كما حصل في عدد من الأماكن في صنعاء والتي تم استهداف مساجد وقتل عدد من المصلين، فمشكلة المساجد هي مشكلة الخطاب الإسلامي بالكامل، وهناك مشكلة سياسية انعكست إشكاليتها على كثير من القضايا من التعليم إلى المسجد إلى غيره من المحاضن التربوية، مع أن ينبغي تحييد المساجد تماماً وأن تتبع هيئة مستقلة لا تمثل الدولة ولا أي حزب أو طائفة وتقدم خطابا ينطلق من القرآن الكريم والقضايا الكلية في الدين”.
لقد كانت المساجد مكانا للراحة النفسية، لكنها أصبحت مكانا للخوف، أو للفرقة، فمساجد يرفع فيها أذان الصلاة فقط، ولا ترفع فيها الصلاة بسبب عدم توفر مادة البنزين، الذي يستخدم للمولدات الكهربائية، وأخرى امتلأت صفوفها بالمصلين، حين كان يشتد القصف على مدينة تعز، ويشعر الناس باقتراب الموت منهم كثيرا، ومساجد فُرض فيها خطباء وأئمة آخرين، وأخرى أنزل من منبرها الخطيب، ليحل محله آخر، فيغادر المصلون احتجاجاً. إن عبثية الحرب هذه جعلت المساجد كما الناس وقودا لها، وعقب كل قصف عنيف تتعرض له أحياء مدينة تعز، تصدح منابرها بالدعاء، طلبة رحمة الله، بعد أن صم البشر آذانهم عن استغاثة الوطن، وأنَّات ضحايا الحرب الذين يريدون أن يعيشوا كما يليق بإنسانيتهم.