تراجم وتحليلاتغير مصنف

“الشرعية” بين المؤسسات والأشخاص!!

لم تكن سني حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح عجافا إلا لأنه اختار تربية الثعابين، والرقص على رؤوسها فحسب، ولم يكن له فعل ذلك لو كان قادماً من بوابة الشعب صاحب الحق في منح السلطة من يشاء كما نصت عليه المادة الثانية في الدستور اليمني، “الشعب مالك السلطة ومصدرها”، لكن “صالح” كان يتلاعب بالدستور، ويزج بالشعب في مزالق حروب ليلتف على الشرعية! يمن مونيتور/ خاص/ من حسين الصوفي
لم تكن سني حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح عجافا إلا لأنه اختار تربية الثعابين، والرقص على رؤوسها فحسب، ولم يكن له فعل ذلك لو كان قادماً من بوابة الشعب صاحب الحق في منح السلطة من يشاء كما نصت عليه المادة الثانية في الدستور اليمني، “الشعب مالك السلطة ومصدرها”، لكن “صالح” كان يتلاعب بالدستور، ويزج بالشعب في مزالق حروب ليلتف على الشرعية!
 
ولما بلغ السيل السياسي والسيادي بالبلد الزبى، طفحت الجماهير وهرولت إلى الشوارع في تظاهرات حاشدة تهتف حناجرها بهتاف الحرية والثورة، وقال الشعب كلمته في وجه صالح، ارتفع الهتاف في جميع الساحات عند التاسعة مساءاً “ارحل ارحل…”، وبات صالح بلا شرعية بعد أن نزعها أهلها منه.
 
كان رحيل صالح عبر بوابة اتفاق بين طرفين متنازعين، جاء ذلك في وثيقة الصلح التي أطلق عليها حينها “المبادرة الخليجية”، وكانت عقدا مؤقتا منه استمد هادي وحكومة باسندوة الشرعية، وكحل مقبول كانت المبادرة الخليجية الموقعة في 24 نوفمبر 2011م في الرياض، وثيقة “مصالحة” بين طرفي نزاع، فبحسب ذات المصطلحات التي كُتبت بها المبادرة، جاء في مقدمتها “(ب‌) يشير مصطلح (الطرفان) إلى التحالف الوطني (المؤتمر الشعبي العام وحلفائه) كأحد الطرفين، وإلى المجلس الوطني (أحزاب اللقاء المشترك وشركاؤه)”.
 
ظلت الأزمة في اليمن قائمة لأن الأطراف لم تلتزم بمبادئ الشرعية ولا بنصوص الاتفاقات كما ينبغي، إذ تم الالتفاف على “باسندوة”، كنائب للرئيس، وحدث الانقلاب، ودخلت البلاد في مرحلة مختلفة، انتقلت فيها الشرعية من المبادرة الخليجية إلى الحوار الوطني، ثم إلى شرعية المقاومة والدفاع عن الأرض والعرض والدولة والمؤسسات والثروات.
 
قبل يومين ظهور رياض ياسين، أحد الكوادر الصحية في اليمن، وأعاد تصريحات مثيرة للجدل، لم تكن بعيدة عن اللهجة التي يستخدمها الانقلاب وأبواقه الإعلامية، في محاولة خلخلة صفوف المقاومة التي تنزف دماؤها كلما تحركت عقارب الساعة من أجل حماية “الشرعية” التي منحت الكوادر السياسية حق الحركة والتمثيل في المحافل الدولية.
 
بدا ياسين يتهم طرفاً رئيسيا في العملية السياسية، وفصيلاً مركزياً في المقاومة الشعبية، والحاضنة الاجتماعية، بحجم الإصلاح، في توقيت حساس للغاية، وفي مشارف تعز الصامدة، بوابة الحرية الشامخة لليمن الكبير.
 
وبناءً على الترتيبات التي جرت مؤخراً، فإن التساؤلات تعود لتطرح نفسها وبقوة عن الشرعية، كمنظومة شعبية خالصة، وعن الأشخاص الذين يمكنهم تمثيل الشرعية الشعبية، والتحدث باسم قرابة ثلاثين مليون يمني.
 
وبحسب الإجراءات القانونية الصرفة، فإن أي حكومة يجب أن تستمد شرعيتها من البرلمان، لمنحها الثقة، لتصبح حكومة ذات صفة اعتبارية تمثل الزخم الشعبي، وتتحرك في إطار الهم الوطني المشترك، وهو ما يمكن القول بأنه مفقود في الأطراف السياسية التي تغرد خارج السرب، وسيحضر سؤال بقوة، كيف يمكن عقد اجتماع للبرلمان في ظل سيطرت الانقلاب ليمنح الحكومة أو بعض أطرافها شرعية الحركة باسم الشعب؟
 
غير أن تتابع التطورات والأحداث تفصح عن ظرف غير اعتيادي، بعد أن قررت كافة الفعاليات الوطنية بالإجماع، خوض معركة تحرير الوطن من قبضة الانقلاب، وتصاعدت أصوات الرصاص، وارتصت صفوف أبناء الشعب اليمني في كتائب المقاومة، لتصبح أفواه البنادق صاحبة القول الفصل فيما الذي يمكن فعله للبلد، وطبيعة المراحل التي يمكن خوضها، ومن يتحدث عنها وكيف؟ فالشرعية اليوم شرعية المقاومة وحدها.
 
تخوض المقاومة الشعبية مسنودة بالجيش الوطني، حروباً ضارية في جبهات متعددة في أغلب محافظات الجمهورية، ويقضي أبطال المقاومة ليالي عصيبة دفاعاً عن الدولة ومؤسساتها التي امتدت إليها سموم ثعابين الانقلاب، ويبذلون أرواحهم ودماءهم في سبيل تحقيق الكرامة والدفاع عن المدنيين، يقضون أياماً طويلة في متارسهم جنباً إلى جنب، لا حضور للتفاصيل ولا للألوان السياسية تحت لعلعة الرصاص!
 
تمتلئ السجون بالمختطفين من قيادات سياسية ووزراء وصحفيين ونشطاء ومواطنين بسطاء، كلهم اختاروا أن يتمسكوا بالشرعية الشعبية، وأن يناهضوا الانقلاب مهما كان الثمن، ويظل هؤلاء ودماء رفاقهم المسكوبة في ميادين القتال هم الجدار الصلب “للشرعية الشعبية” وهم أصحاب الحق في الحفاظ على المبادئ العامة للدولة، التي تتحقق فيها المصلحة الوطنية، كمنظومة واحدة، تحضر فيها المؤسسات النابعة من الحاجة الوطنية، لا الأشخاص أياً كان اتجاههم وصفاتهم، حتى يتم انجاز التحرير الوطني الشامل، والانتقال إلى شرعية الصندوق، حين يهدأ الغبار، وتصمت أفواه البنادق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى