يقع العالم المتحضر في الخطأ القاتل للمرة الثانية؛ الأولى عندما رأى أن من مصلحته تصدير صراعاته إلى الدول الأقل حظاً، فدعم الاستبداد وساهم في خلق بيئات حاضنة لشذاذ الأفاق والإرهابيين، وتصنيع مناطق (مغناطيس) تجتذب إليها المتطرفين بعيداً عن مجتمعاته، وتشكل ميادين مواجهات محتملة مع خصوم دوليين يتنازعون النفوذ وتقاسم العالم.
يقع العالم المتحضر في الخطأ القاتل للمرة الثانية؛ الأولى عندما رأى أن من مصلحته تصدير صراعاته إلى الدول الأقل حظاً، فدعم الاستبداد وساهم في خلق بيئات حاضنة لشذاذ الأفاق والإرهابيين، وتصنيع مناطق (مغناطيس) تجتذب إليها المتطرفين بعيداً عن مجتمعاته، وتشكل ميادين مواجهات محتملة مع خصوم دوليين يتنازعون النفوذ وتقاسم العالم.
عندما فكر أن المصلحة يجب أن تكون لطرف واحد هو العالم الغني والمتطور، واعتبر شعوب العالم الثالث حقول تجارب وساحات حروب متواصلة تحقق سوقاً دون حدود لمصانع أسلحته الضخمة.
عندما تخلى عن رؤيته الانسانية والأخلاقية لتصبح قابلة للتشكل وملبية لمصالحه وخادمة لطموحه الاقتصادي والعسكري، بل والاستحواذي، واستخدم ازدواجية المعايير بين ما يؤمن به داخليا ويطبقه على شعوبه وما يسانده خارجيا ويستخدمه مع الآخرين.
وفي لحظة التحول الخطير الذي كان متوقعا نتيجة لتلك السياسات، أصبح من الواضح أن كل التحذيرات السابقة التي ركزت على أن هذه السياسة، وعدم الجدية في محاربة الظواهر السلبية الناتجة عن عقود من العسل بين الدول الكبرى ونظم الاستبداد، أفرزت مواليد الكراهية وأدوات الانتقام، وتطورت لتتجاوز المحلي المنفذ الى الدولي الراعي والمساند: هذه السياسة – وإن عملت على حصر الخطر (الارهابي ) في مناطق الارادة الدولية وبعيداً عن مجتمعاتها – ستؤدي إلى اليوم الذي تصل نيرانها وكراهيتها إلى تلك الدول وستشكل خطرا على الجميع.
شواهد هذا الخطأ كثيرة، فعلى مدى خمس سنوات ظلت قضايا الوطن العربي أدوات للابتزاز، ولم يتبلور اطلاقاً أي توجه جاد لمحاربة الإرهاب، بما يعني أسبابا وتداعيات ونتائج، وظهر جلياٍ ذلك الاستخدام المستفز للأوضاع في سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا وغيرها.
تساهل المجتمع الدولي مع مقدمات تشكل الجماعات الارهابية بل وسهل ذلك، ورعى من خلال مناوراته وخداعه نشوء “داعش”، وأفرزت عدم رغبته في حسم الأمور في سوريا والعراق انتشار الفكر المتطرف، ولم يهتم بذلك ما دام الوجع والألم والارهاب يضرب في المجتمعات العربية وبعيدة عن التاثير المباشر عليه وعلى شعوبه.
ووصلت النيران اخيراً لتصيب بإرهابها وهمجيتها رعايا الدول الكبرى في عقر دارها، وانتبهت هذه الدول أن التعامل مع الارهاب يجب أن يكون مختلفاً، ولا يمكن أن يكون أي مجتمع بعيداً عن الأحداث وتأثيراتها في عالم متشابك ومترابط.
وكانت الغلطة الثانية..
فمع تبلور رأي عام جاد بدأ يتخذ شكلاً عسكرياً وارادة دولية في محاربة الإرهاب، والاحساس الجمعي للدول الكبرى بخطأها في مهادنة الارهاب في السابق والتعامل معه كعامل ابتزاز لأطراف اقليمية ودولية، والتحركات التي ظهرت مؤخراً في إطار التحالفات والتنسيق بين مختلف القوى الدولية لتوجيه ضربات عسكرية لتنظيم الدولة، إلا أن ذلك التحرك يتجه خطئاً في اتجاه واحد لن يحقق انتصاراً جذرياً على الإرهاب، ولن يساهم إلا في القضاء على هيكل دولة “داعش” في أحسن التوقعات، وقد يسهم في تشكل جماعات منبثقة عنها قد يكون تأثيرها أشد ورغبتها في الانتقام مضاعفة.
إن الرغبة الحقيقة لمحاربة الارهاب يجب أن تكون شمولية، فالجماعات الارهابية ومنها القاعدة و”داعش” وغيرها هي أعراض لأمراض مستوطنة، ولن يتم علاج تلك الظواهر إلا بعلاج المرض الاساس.
يقع المجتمع الدولي في خطأ فادح عندما يواصل دعمه لنظم استبدادية كانت السبب في تدمير دولها وقتل شعبها واستقطاب الميليشيا والدول لمشاركتها تلك الجريمة.
يقع المجتمع الدولي في خطيئة كبرى عندما يواصل سياسة ازدواجية المعايير في عدم توحيد تعريف الجماعات الارهابية، وتجريم جميع اعمالها، والنظر بعين واحدة لما تمارسه جماعات الارهاب المعروفة كـ”القاعدة” و”داعش” و”النصرة”، ويغفل عن جماعات العنف الديني الاخرى كـ”حزب الله” الذين يشارك النظام السوري في قتل السوريين، أو جماعة “الحوثي” التي أسقطت دولة عربية كاملة وتمارس القتل الممنهج لليمنيين منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، أو ميليشيا الحشد الشعبي في العراق التي فاحت رائحة أعمالها الارهابية حتى وصلت الآفاق، وجميعها تنطلق من أفكار دينية متطرفة ورؤية واحدية للمجتمع والإنسان.
العالم أمام اختبار أخلاقي ووجودي، وعليه أن يتوحد لمحاربة الارهاب بكل اشكاله، ارهاب الدول أو ارهاب الأشخاص أو ارهاب الأفكار، وليس من الأخلاق اطلاقاً تصنيف الارهاب إلى ارهاب أليف وارهاب مفترس، فالفعل الارهابي هو فعل ارهابي قام به رئيس مستبد أو جماعة دينية، أو حزب أيدولوجي، أو شخص متطرف.