في الثالث من سبتمبر عام 2020، نشرت مجلة «أتلانتيك» مقالاً بقلم محررها «جيفري ولدبر»، زعم أن دونالد ترامب وصف الأميركيين الذين ماتوا في الحروب الماضية بـ «الفشلة» و«المغفلين». تم تأكيد هذه المزاعم من قبل وسائل الإعلام الأخرى حسنة السمعة، وتسببت في إحداث ضجة لحملة ترامب مع دخولها الأسابيع الأخيرة قبل انتخابات نوفمبر.
حتى تولي دونالد ترامب منصب رئيس الولايات المتحدة والقائد العام للقوات المسلحة الأميركية، لم يكن من المعقول أن ينتقص الرئيس ويهين كبار قادته العسكريين والملايين من الرجال والنساء الذين خدموا بالزي العسكري. لكن ترامب، منذ الأيام الأولى لإدارته، أظهر ازدراءه لمستشاريه للأمن القومي، بما في ذلك مجتمع الاستخبارات. وقبل أن يصبح رئيسا، أدلى ترامب بتصريحات مهينة للغاية بشأن عضو مجلس الشيوخ جون ماكين الذي تم إطلاق الرصاص عليه خلال حرب فيتنام وقضى خمس سنوات ونصف كأسير حرب. في مقابلة في الثامن عشر من شهر يوليو عام 2015، وصف ترامب ماكين بأنه «فاشل».
عندما واجه تحديا بأن ماكين كان بطل حرب، أجاب «إنه بطل حرب لأنه تم أسره. أنا أحب الأشخاص الذين لم يتم أسرهم».
على الرغم من أن ترامب نفى القصة التي نشرتها مجلة «أتلانتيك»، مدعيا أنه لن يستخدم مثل هذه الكلمات لوصف الجنود الأميركيين، إلا أن غضبه ضد القادة العسكريين الأميركيين ظهر مرة أخرى في السابع من شهر سبتمبر خلال مؤتمر صحفي بمناسبة عيد العمال. فقد صرح قائلا: «أنا لا أقول إن الجيش يحبني، لكن الجنود يحبونني. ربما لا يكون كبار الشخصيات في البنتاجون يحبونني لأنهم لا يريدون فعل أي شيء سوى خوض الحروب، لذا تظل كل تلك الشركات الرائعة التي تصنع القنابل وتصنع الطائرات وتصنع كل شيء آخر، سعيدة». هذا الإيحاء بأن القادة العسكريين هم بيادق في يد المجمع الصناعي العسكري يتجاهل حقيقة أن ترامب نفسه كان مؤيدا متحمسا لزيادة مبيعات الأسلحة الأميركية إلى الحكومات الأجنبية وأنه كان يتفاخر بهذا.
فهل ستؤثر كراهية ترامب للجيش وللخدمة العسكرية على دعمه الانتخابي؟ تشير استطلاعات الرأي إلى أن معدلات تأييده داخل الجيش قد انخفضت. قد يكون لهذا بعض التأثير الهامشي على الولايات الرئيسية التي يحتاج إلى تأييدها للفوز بالمجمع الانتخابي. وهذه تشمل ولايات أريزونا وفلوريدا وكارولينا الجنوبية التي تضم عددا كبيرا من العائلات العسكرية. ويمكن أن يؤثر هذا أيضاً على العديد من قدامى المحاربين الذين يعيشون في فلوريدا وتكساس.
بصرف النظر عن الانتخابات، ستكون التداعيات الأكثر ضرراً وخطورة للعداء المستمر بين ترامب وجنرالاته إذا كانت حدثت أزمة أمن قومي خطيرة في الأشهر المقبلة. فإذا تطلبت مثل هذه الأزمة من الرئيس اتخاذ قرارات مثيرة للجدل فيما يتعلق بنشر القوة العسكرية الأميركية أو استخدامها في الحالات القصوى ضد عدو خارجي، فهل سيقبل الرأي العام الأميركي والقيادة العسكرية بآراء ترامب، أم أنها ستؤدي إلى مواجهة دستورية إذا كانت أوامره موضع نزاع علني أو حتى تم تجاهلها؟ في أكتوبر 1973، في ذروة أزمة ووترجيت التي هددت رئاسة «ريتشارد نيكسون»، اندلعت حرب واسعة النطاق بين إسرائيل وسوريا ومصر مع دعم الاتحاد السوفييتي للدول العربية ودعم الولايات المتحدة لإسرائيل. وأصدر «جيمس شليزنجر»، وزير الدفاع آنذاك، أوامر بضرورة أن يرجع إليه جميع القادة العسكريين قبل التحريض على أي عمل عسكري، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية، إذا سمح بذلك نيكسون. كان الخوف من أن نيكسون، الذي كان في حالة اكتئاب عميقة، يمكن أن يتخذ قرارا متهورا في خضم الصراع.
ليس من الصعب تخيل وضع مماثل إذا أطلقت كوريا الشمالية صاروخا عابرا للقارات في أكتوبر 2020 أو حاولت إيران الانتقام من القوات الأميركية في الشرق الأوسط أو إذا كان وقع هجوم إرهابي مدمر آخر على الأراضي الأميركية. إن غياب الثقة بالقائد العام هو احتمال مخيف يثير قلق الكثير من الأميركيين.
من ناحية أخرى، قال ترامب، ردا على تعليقاته حول الجنود، إنه لم يكن أبدا ليقول شيئا مثل هذا، مؤكدا أن هذا أمر غير مقبول للغاية لأناس قدموا حياتهم لحماية بلادهم. وهاجم الرئيس مجلة «أتلانتك» التي نشرت هذه التصريحات، قائلا إن رئيس تحريرها «رجل أوباما»، و«ضد ترامب»، لذلك يقوم بمهاجمته.
وفي خطابه بمناسبة عيد العمال، أكد الرئيس الأميركي مجدداً دعمه للجيش في حين احتشد آخرون من أفراد الإدارة الأميركية حوله بعد تواتر تقارير عن أنه استخف بالجنود الأميركيين الذين قُتلوا في أوروبا.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست»
*نشرت أولاً في صحيفة الاتحاد الإماراتية.