كتابات خاصة

مناهج الفهم وواحدية الدين

محمد عزان

يشهد واقع الكائن البشري على تنوع واختلاف ظروفه ومكونات معارفه وطرق تفكيره، وبالتالي توجهاته ومساعيه، وأسباب ذلك كثيرة، منها ما هو تكويني يتعلق بأصل وجود الإنسان، مثل: اختلاف البيئة، طبيعةً كانت أم مجتمعاً. وكذلك اختلاف التكوين الخلقي كالذكورة والأنوثة. ومنها ما هو مكتسب كطبيعة الموروث الفكري، والانتماء الديني والسياسي، والنزعات النفسية، ونحو ذلك. يشهد واقع الكائن البشري على تنوع واختلاف ظروفه ومكونات معارفه وطرق تفكيره، وبالتالي توجهاته ومساعيه، وأسباب ذلك كثيرة، منها ما هو تكويني يتعلق بأصل وجود الإنسان، مثل: اختلاف البيئة، طبيعةً كانت أم مجتمعاً. وكذلك اختلاف التكوين الخلقي كالذكورة والأنوثة. ومنها ما هو مكتسب كطبيعة الموروث الفكري، والانتماء الديني والسياسي، والنزعات النفسية، ونحو ذلك.
وهذا يعني أن الفرقاء لم يختاروا ما اختاروه من أفكار وتوجهات عنادا ولا تمردا، ولكنها ألقيت إليهم ولا مست قناعتهم فاقتنعوا بها ولو قُدم لهم غيرها بشكل مقنع لقبلوه.
لقد أشار القرآن الكريم إلى حتمية وجود الاختلاف بين البشر فقال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾. لذلك بعث الله الرسل إليهم وأيدهم بالكتب وجمع دعوتهم على أمر واحد يتمثل في توحيده وإخلاص العبادة له، فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}.
وقد منح الله الإنسان حرية الاختيار مع قدرته على دفعه في اتجاه محدد فقال تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ.. ﴾. وكلفه على أساس ذلك، وبين ذلك بقوله: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾. ومن المعلوم أنه لا يسع الإنسان أن يؤمن إيمانا صادقا بما لم يقتنع به في أعماق نفسه.
أما الشرائع ومناهج العبادة فقد جعلها مختلفة، نتيجة اختلاف الظروف زمانا ومكانا، قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾. وعلى هذا فتنوع التكليف مبدأ شرعه الله رحمة للعباد ورعاية لمصالحهم.
غير أن ذلك الاختلاف والتنوع يتحرك في منظومة واحدة غايتها العقيدة، ومنهجها العبادة، ومرجعها الشريعة.
ويتميز دين التوحيد بأنَّه حفظ المعادلة بين الحرية والانضباط، ولم يسحق أحدهما لحساب الآخر؛ لأن الحرية ـ سواء في التفكير أو في العمل ـ إذا كانت تُمَارس في نطاق مضبوط لا يسمح بالتعدي والطغيان؛ فسوف تؤدي إلى التسامح وقبول الآخرين. وتساعد على تفجير الطاقات وتنشيط الإبداع والعطاء الفعَّال.
ومن المعالم البارزة في القرآن الكريم النهي عن إكراه الإنسان على القناعة بأي فكرة وإن كانت الحق الذي جاء به الأنبياء، فقال: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ﴾. ونهى الله نبيه أن يسلك مسلك الإكراه على الإيمان، فقال له: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾. وذلك لأن من ينقاد مكرها لا يتحقق فيه معنى الإيمان ولا يكتب له الثواب على ذلك، كما أنه لو قال لكمة الكفر مكرها أو فعل مالا يجوز فعله فإنه لا يسلب اسم الإيمان ولا يعاقب على فعله، قال تعالى: ﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
ومن السمات البارزة في القرآن الكريم أنه يعتمد على إبراز الحجج والبراهين لإثبات ما يدعوا إليه، ويضرب لذلك الأمثال ويكشف عن العلل والأسباب ويقرب المعاني للإنسان، كل ذلك بهدف الوصول به إلى قناعة، معتمداً في ذلك على أسلوب الحوار مهما كانت حساسية المسألة أو ظهورها، وكائنا من كان المستهدف إقناعه، ومن ذلك ما حكى لنا في قصة الخلق .. ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾. فهذا الحوار لبين للملائكة ـ وهم اعلم الخلق به ـ انه يعلم ما لا يعلمون.
وكذلك ما جاء في قصة إبراهيم ﴿إذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. فهذا الاستدلال وهذه التجربة جاءت بهدف مزيد من الاطمئنان واليقين لنبي من أنبياء الله. وبهذا ندرك ان الاستمرار في البحث عن المعرفة وترقيتها أمر مهم في حياة الإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى