قراءة في ما وراء البيان المشترك لفرعي تنظيم القاعدة في اليمن والمغرب
شن تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب (يتخذ من اليمن مقرا له) وتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي (يتخذ من الجزائر وموريتانيا مقرا له) هجوما شرسا على تنظيم الدولة الإسلامية، عبر بيان مشترك نُشر مطلع الشهر الجاري.
يمن مونيتور/ من محمد مراد
شن تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب (يتخذ من اليمن مقرا له) وتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي (يتخذ من الجزائر وموريتانيا مقرا له) هجوما شرسا على تنظيم الدولة الإسلامية، عبر بيان مشترك نُشر مطلع الشهر الجاري.
الهجوم جاء كرد على ما ورد في كلمة للمتحدث الرسمي باسم تنظيم الدولة الإسلامية، أبو محمد العدناني، التي كان عنوانها “قل للذين كفروا ستغلبون”.
وأوكلت مهمة قراءة البيان المشترك للقيادي البارز في قاعدة اليمن، خالد باطرفي، المعروف بمواقفه المتشددة من تنظيم الدولة الإسلامية، وربما أوكلت له أيضا مهمة كتابة البيان.
وكان اللافت في البيان أنه مشترك.
على دين “النصرة”
ظل فرع تنظيم القاعدة في اليمن يسعى إلى عقلنة موقف جبهة النصرة من الدولة الإسلامية، ففي بادئ الأمر أصدر هذا الفرع بيانا دعا فيه الفصائل الجهادية في الشام إلى توحيد الصفوف لقتال العدو المشترك بدلا من قتال بعضها بعضا، ردا على بيان لجبهة النصرة أعلنت فيه الحرب على تنظيم الدولة إن لم ينسحب من مناطق في محافظة حلب خلال أسبوع.
بيان فرع القاعدة في اليمن، الذي حمل عنوان “رسالة إلى الفصائل المجاهدة في الشام” أظهر هذا الفرع كما لو أنه أقرب إلى تنظيم الدولة الإسلامية منه إلى فرع القاعدة في سورية، وكان كذلك فعلا، ولهذا شهد انشقاقات فيما بعد.
في بيان آخر انتقد فرع القاعدة في اليمن التصنيف العقائدي، من قبل جبهة النصرة وغيرها من الفصائل المقاتلة في سورية، لتنظيم الدولة الإسلامية، وقال في بيان له ما نصه “هم إخواننا وليسوا خوارج”.
وكان فرع القاعدة في اليمن يدرك جيدًا أن هذا التصنيف مجرد مبرر لمواجهات لا مبرر لها.
وبرغم أن فرع تنظيم القاعدة في المغرب أعلن منذ البداية أنه لن يبايع تنظيم الدولة الإسلامية، إذ ليس هناك ما يستدعي نقض بيعته لتنظيم القاعدة شرعا، حد تعبيره، إلا أنه انتقد سلوك “جبهة النصرة” تجاه الدولة الإسلامية في سورية، أما جبهة النصرة فقد كانت تحارب من اعتبرهم زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، “أحفاد ابن ملجم”.
لقد بدا هذان الفرعان كما لو أنهما يغردان خارج سرب قيادة التنظيم المركزية، فلم يصدر عن هذه القيادة أي شيء بهذا الخصوص، بل كان لها كلمة وصفت قتلة أبي خالد السوري، القيادي في فصيل أحرار الشام، بأنهم أحفاد “ابن ملجم” في إشارة إلى تنظيم الدولة، و “ابن ملجم” خارجي معروف.
لكن، وبدلا من أن يعدل فرعا القاعدة في اليمن والمغرب موقف فرع القاعدة في سورية من تنظيم الدولة، حدث العكس تماما، كما يشير إلى ذلك البيان المشترك للفرعين.
حيث تحدث البيان المشترك عن “مخبوء العقائد” واتهم تنظيم الدولة الإسلامية بالانحراف والضلال، بالإضافة إلى عدم شرعية الخلافة، ومشروعية مبايعتها، بل واعتبرها اغتصاب لحق المسلمين في اختيار من يحكمهم.
كانت حاجة الفرعين واضحة لاستخدام جملة “مخبوء العقائد”، في البيان المشترك، حتى يبدو الموقف الجديد كما لو أنه في إطار تطورات استدعته وليس انقلابا على مواقف سابقة.
تبلور موقف
وإلى وقت قريب لم يكن لتنظيم القاعدة، بكل أفرعه، موقف موحد ومحدد من تنظيم الدولة الإسلامية.
كان تنظيم الدولة يعرف أسباب خلافه مع القاعدة جيدا: قبلتْ ببيعة منشق عنه “جبهة النصرة”، ورفضت مبايعته، كونه دولة وهي تنظيم، أما القاعدة فبدا أنها تختلف مع تنظيم الدولة لأنه يختلف معها، لا أكثر، لهذا تعددت مواقفها، ففي حين كان الظواهري يلمز تنظيم الدولة بفكر الخوارج، بعد اتهامه بقتل أحد قادة أحرار الشام، كان فرعه في اليمن يقول “هم إخواننا وليسوا خوارج”.
لم يكن من مصلحة القاعدة أن تبقى مواقفها على هذا النحو، خصوصا مع تفاقم الخلاف بين تنظيم الدولة الإسلامية وبين جبهة النصرة، وتطوره إلى مواجهات مسلحة، ومن المرجح أنَّ تواصلا جرى بين قيادة القاعدة المركزية وبين باقي أفرعها لمناقشة هذا الأمر.
وربما صدر البيان مشتركا، من فرع القاعدة في اليمن وفرعها في المغرب، لهذا الغرض، أو كان هذا الغرض واحدا من الأسباب المهمة التي أوجدت فكرة بيان مشترك.
تأصيل للحرب
البيان المشترك الأخير كان بمثابة تأصيل عقدي للحرب المفتوحة التي تنوي القاعدة أن تخوضها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فالقاعدة تدرك أن تنظيم الدولة سيقاتلها لا محالة، بحجة عدم شرعية وجود تنظيمات أو أحزاب أو جماعات في ظل وجود دولة إسلامية، ولا يكفي أن تحاربه القاعدة دفاعا عن النفس، ومن هنا أفتت، في البيان المشترك الأخير، بعدم شرعية الخلافة التي أعلنها تنظيم الدولة، وبعدم مشروعية مبايعتها، واعتبرتها اغتصابا لحق المسلمين في اختيار من يحكمهم، كما تحدثت عن انحرافات عقدية، وهي الانحرافات ذاتها التي تحدثت عنها جبهة النصرة في بداية الخلاف واتخذت منها مبررا للقتال.
ويتسق ما ورد في البيان المشترك الأخير مع ما ورد في سلسلة كلمات لأيمن الظواهري تحت عنوان “الربيع الإسلامي”، حيث هاجم الظواهري البغدادي وخلافته بصورة غير مسبوقة، وكل ذلك يتسق مع الموقف العملي لـ”جبهة النصرة”.
ويبدو أن استعداد للمعركة كان قد سبق هذا الموقف، خصوصا من قبل قاعدة اليمن، تحسبا لما قد يتلوه، حيث نشر مناصرون لتنظيم الدولة الإسلامية في اليمن تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) تحت هذا الوسم (#القاعدة تستعد لقتال الدولة الإسلامية في اليمن).