المستأجرون في تعز.. بين نار الحرب ولهيب المؤجرين
افتتح “عمار”، أحد سكان حي” الضبوعة” بتعز، وسط اليمن، صباحه بسماع طرقات عنيفة على باب شقته، كان مصدرها صاحب المنزل” المؤجر” الذي قدم من قريته، طلبا للاسجار. يمن مونيتور/ تعز/ من وئام عبدالملك
افتتح “عمار”، أحد سكان حي” الضبوعة” بتعز، وسط اليمن، صباحه بسماع طرقات عنيفة على باب شقته، كان مصدرها صاحب المنزل” المؤجر” الذي قدم من قريته، طلبا للاسجار.
صرخ في وجه عمار، مطالبا اياه بدفع إيجار الشقة التي مضى عليه شهران.
حاول “عمار” اقناع صاحب الشقة بمنحه فرصة لمدة أسبوع ليتمكن من توفير المبلغ المطلوب، لكن المؤجر رفض، واحتدم الصراع بينهما، وبعد تدخل الجيران، وافق صاحب المنزل على منح عمار مهلة حتى الرابعة مساء، ما لم يدفع الإيجار، فإنه سيقوم بحجز أثاث منزله، وطرده من المنزل، فهو يريد لشقته مستأجر آخر.
يقول “عمار”، لـ”يمن مونتيور”، “كنت اعمل متعاقدا بأحد المستشفيات الخاصة بتعز، وتم تسريحي بعد أن اشتدت الحرب، وأغلق المستشفى أبوابه، اليوم لم اعد قادرا على الحصول على الطعام، فكيف لي أن أتمكن من دفع الإيجار”.
وأضاف، “أنه سيضطر لمغادرة شقته بعد ساعات إلى منزل أهله الكائن في منطقة” الحوبان” شرق تعز، بناء على قرار المؤجر”.
مطرودون من منازلهم
الصيدلاني “عبدالله” قال “لم نعد نحصل على دخل جيد من الصيدلية التي استأجرها، فاضطررت لإغلاقها، وبعد أن هددني صاحب المنزل بالطرد لعدم دفع إيجار منزله، وزعت أثاث منزلي على منازل بعض الأقارب في المدينة، وغادرت المدينة وأسرتي إلى القرية، وما يزال المنزل الذي كنت استأجره مغلقاً منذ ثلاثة أشهر، لعدم وجود مستأجر جديد”.
أصبحت المدينة تكتظ بمنازل خالية، بعد أن كان الناس يبحثون لأسابيع عن منزل للايجار، لأن مئات الأسر نزحت عن المدينة بسبب الحرب الدائرة منذ أشهر.
وحسب ائتلاف الإغاثة الإنسانية في “تعز” فإن نسبة النازحين بلغ نحو 70% من سكان المدينة.
“أم محمد المخلافي”، إحدى النازحات منذ شهر أبريل/ نيسان الماضي المنصرم في منطق “بني غازي” بالتُربة مركز مديرية الشمايتيين بتعز”، قالت “إن صاحب الشقة التي يستأجرونها في أحد الأحياء اتصل بهم، مطالباً بدفع إيجار الشهر الماضي، والذي تأخروا بدفعه بضعة أيام”.
وتابعت، “شعرت بالمرارة، فنحن ندفع إيجار منزل لا نسكنه، ونحن بحاجة إلى الغذاء، وصاحب المنزل كان مجحفا، حين هددنا إن لم ندفع الإيجار، فإنه سيشكونا إلى قسم الشرطة، أو نُخرج أثاثنا”.
مسرحون من وظائفهم
ووفقاً لائتلاف الإغاثة الإنسانية” بتعز” فإن 90% من موظفي القطاع الخاص، تم تسريحهم من وظائفهم في الفترة ما بين 21 مارس وحتى 5 أكتوبر 2015م.
واضطرت الحرب الكثير من الميسورين إلى دفع ايجارات شهرية في منازل لا يسكنونها، حفاظاً على ممتلكاتهم التي تركوها في تلك الشقق والمنازل، على أمل العودة إليها.
مسألة أخلاقية أم قانونية
المحامي “فهمي علي سيف”، قال لـ”يمن مونيتور”، “لا يحق للمؤجر طرد المستأجر بالقوة، لعدم قدرته على دفع الإيجار، فهذا مخالف للقانون، وقد وضح القانون الطرق القانونية التي يسلكها المؤجر للوصول إلى حقه في الأجرة، أو فسخ عقد الإيجار عن طريق القضاء، لإعسار المستأجر”.
وأضاف، “المستأجر ملزم قانونيا بدفع الأجرة، ما دام منتفع بالعين المؤجرة، إلا أن القانون وضح بأنه إذا تعذر انتفاع المستأجر من العين المؤجرة، بسبب الغصب الطارئ أو نحوه من الظروف الطارئة، التي تمنع المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، سقطت الأجرة، ما لم يكن سبب الغصب متعلقا بالمستأجر، فإذا انعدم الغصب الطارئ ونحوه، فالمسألة في هذه الحالة مسألة أخلاقية، فإذا أراد المؤجر سامح المستأجر بالإيجار”.
وتابع، “الإيجار حق للمؤجر، سوى كان لديه مصدر رزق آخر أو لم يكن، وفي ظل إغلاق المحاكم أبوابها بسبب الحرب في مدينة” تعز”، فإن القانون لم يعطِ الحق لأي جهة بالتدخل في عمل القضاء، فالقضاء سلطة مستقلة، إلا أنه وفي ظل هذه الظروف فيتوجب على بقية أجهزة الدولة القيام بدورها، حيث يحق للأجهزة الأمنية اتخاذ الإجراءات الأولية والوقائية، المخولة لها طبقا للقانون، لحفظ حقوق الأطراف من الضياع، وليست مخولة بحل المشكلات إلا برضا الأطراف لحل الخلاف صلحا”.
وذكر “سيف” أن “القانون المدني رقم ١٤ لسنة ٢٠٠٢م، نظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، حيث ورد تعريف” الإيجار” في المادة (٦٨٢) بأنه عقد بين مؤجر ومستأجر، يقع على منفعة معلومة بعوض معلوم، لمدة محدودة أو مطلقة”.
أما قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر رقم ٢٢ لسنة ٢٠٠٦م، فقد ذكر في المادة تسعة، تعريف” عقد الإيجار” إذ يُعرف بأنه عقد يلتزم بمقتضاه المؤجر، بتمكين المستأجر من الانتفاع بعين مؤجرة، لمدة معينة نظير إيجار معلوم أو منفعة مشروعة، متفق عليها”.
وتنصالمادة (89) في القانون رقم (22) لسن2006م،بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أن (إذا رغب المؤجر أو المستأجر في إنهاء عقد الإيجار فعلى الطرف الذي يرغب في ذلك إشعار الطرف الآخر قبل ثلاثة أشهر من انتهاء مدة العقد بالنسبة للمساكن)، لكن وفي ظل الحرب وغياب الدولة وأجهزتها الأمنية، تزداد معاناة المستأجرين.
وتبقى مئات العائلات أسيرة لحربٍ لا تفرق بين غني ولا فقير، ولا صغير وكبير، ولمزاج مؤجر لا يعترف إلا بالمال؛ ولا اسوأ من أن يقول أحدهم للآخر: “اخرج من منزلي”، في حين لا يملك الأخير حيلة ولا جوابا.