اليمنية هيا الحمومي وتحدي الاشتغال التشكيلي على المرأة
قدمتْ التشكيلية اليمنية الشابة هيا الحمومي، عشرة أعمال في معرضها الشخصي الأخير، الذي نظمته مؤسسة بيسمنت (القبو) الثقافية بعنوان «شغف» عبر بث مباشر على صفحتها في «فيسبوك» بسبب احترازات جائحة كوفيد 19. وعكست اللوحات مدى حرص الحمومي على التماهي مع حالات المرأة الداخلية، انطلاقاً من رؤيتها الذاتية لمعاناة بنات جنسها، كما حرصت، في الوقت ذاته، على عدم الإفصاح المباشر عن تلك الحالات؛ فعمدت لإغماض عيون نساء لوحاتها، وعلى الرغم من أهمية العيون كعنصر مهم في اللوحة، إلا أن إغماضها لم يغلق اللوحة أمام المتلقي.
من إغماض العيون يتجلى لنا مدى حرص الفنانة على عدم إظهار مشاعر حالاتها من خلال العينين، كحامل أول لتلك المشاعر؛ وانطلقت إلى ذلك من رؤيتها تجاه المجتمع الشرقي، الذي لا تستكين معركته مع المرأة، إلى الحد الذي لا يتسامح فيه إزاء أي حالة تظهِر فيها؛ فيخضعها لتفسيراته. وهذه اللوحات تُعبر عن رفض الفنانة لتجاهل المجتمع لإنسانية المرأة، إذ هي تحزن وتفرح وتكتئب وتبكي وتنفعل مثل غيرها؛ وهي حالات لا تقلل من شأن الأنثى، لكن الفنانة الحمومي كأنها أرادت، بمستوى غير مباشر، انتقاد حدة علاقة المجتمع وأحكامه لما يصدر عن المرأة؛ ولهذا تحرص الفنانة في حياتها ـ كما تحدثت لـ«القدس العربي»- على أن تُبقي مشاعرها عصية على الترجمة من خلال عيونها؛ ولهذا جاءت حريصة على ذلك في علاقتها مع حالات نساء لوحاتها؛ فأغمضت عيونهن!
«إغماض العيون، ربما، هو تحد لنفسي. العيون أهم عنصر في اللوحة؛ لأنها تعكس الحالة الداخلية للذات؛ وعندما أغمضت العيون لم يعد سهلاً على المتلقي فهم الحالة الداخلية للوحة. لكنني لم أغلق اللوحة؛ فأنا بطريقة ما، سواءً بالألوان أو بحركات حاجب العين وأحياناً بالفم… من كل ذلك يمكن قراءة فكرة اللوحة وحالتها، سواء كانت حُزنا أم فَرحا أم غيرهما، وهنا أصبح المتلقي في تحدٍ لقراءة حالة المرأة، بعيداً عن لغة العيون. كما أن فكرة إغلاق الجفون جاءت انعكاسا لشخصيتي؛ فأنا لا أحب أن أُظهِر ما بداخلي من خلال عينيّ» تقول هيا.
تنتمي الحمومي لجيل التشكيليين اليمنيين الشباب، ويُعد هذا المعرض التجربة رقم 30 في حضورها التشكيلي أمام الجمهور، من خلال المعارض الجماعية والشخصية محلياً وخارجياً، في دلالة على دأبها وغزارة إنتاجها.
تقنياً اعتمدت، في هذا المعرض، الألوان الزيتية على كونفاس، وبرزت، هنا، بارعة في توظيف الألوان تعبيراً عن رؤاها، وفي ذلك حرصت على أن تأتي لغتها اللونية بمستوى المحمول الثقافي، الذي أرادت إيصاله للمشاهد؛ وهو ما يمكن التعرف إليه من خلال السطوح اللونية الناعمة، وتداخلها وانسجامها، بما يخدم فكرة التكوين. وعلى الرغم من اشتغالها بحذرٍ على التعبيرية، إلا أنها لامست التجريدية في الاشتغال على بعض المضامين، وهو ما برز واضحاً في التجريد اللوني لبعض المكونات، وكذلك في الزخرفة والتخطيط على سطوح جفن أحد العينين لهؤلاء النسوة، وقد أرادت منها تحقيق «بصمة تميز، ليعرفني من خلالها المتلقي».
موضوعياً كانت الحالات الداخلية للمرأة محور جميع الأعمال، انطلاقاً من ذات الفنانة؛ «لأنني في أعمالي، اتحدث عن نفسي، ولهذا أنا منحازة لقضايا المرأة» مستمدة أفكار أعمالها من «حياتي والماضي الذي عشته، باعتبارهما مصدر إلهامي» مدافعة عن النصوص البصرية للوحاتها؛ فعلى الرغم من ارتباطها بمعاناة النساء إلا أنها تحمل رسالة أمل؛ «فكل أعمالي تندرج تحت مقولة (سأعيش على أمل أن كل شيء سيصبح جميلا)».
من أبرز الملاحظات على أعمال هذا المعرض، أيضاً، الاستدعاء الرمزي لما يخدم حالة اللوحة، ويرفع من قيمة نصها البصري؛ فقد استحضرت الفنانة إلى جانب نسائها حيوانات كرموز للمشاعر التي تريد أن تتمثلها النساء؛ فكان استحضار الحصان والصقر وغيرهما، التي عززت من خلالها مضامين رسائلها، وما يجب أن تكون عليه المرأة في حياتها. كما استحضرت الطبيعة بجمال بعض تفاصيلها، كالزهور في بعص النصوص تعبيراً رمزياً عن خصوصية الحالة الجمالية التي تتميز بها المرأة ككائن ينبغي أن يبقى جميلاً من الداخل، من خلال الحفاظ على مشاعرها معافاة من أي تلوث قد يفرضه المجتمع عنوة.
هيا الحمومي حاصلة على بكالوريوس في اللغة الفرنسية، وشاركت في عددٍ من المعارض في الكويت ومصر والأردن والسعودية وتركيا.