لا ترتدي كمامة.. أنت في اليمن!
اليمن بلد القصص والحكايات.. وطن الغرائب والعجائب. عليك في هذا البلد الفريد أن تستغرب من كل شيء، وأن لا تكلف نفسك في الاستغراب من شيء.. نحن نعيش في واقع ملؤه التناقضات والمفارقات.. فكل شيء فيه نوع من الغرابة، ومعظم الأحداث عادة ما تكون محزنة وفيها أيضا كميات هائلة من الضحكة، أو على الأقل البسمة.
توالت الأوبئة على اليمن بشكل متكرر، وباتت البلاد تنتقل من وباء إلى آخر، بشكل متناسق ومنتظم رغم العشوائية الطاغية على مختلف مجالات الحياة، وعلى سبيل المثال: عشوائية الساسة التي كانت سببا رئيسيا في وصول اليمن إلى ما هو عليه الآن من بؤس ومأساة ووجع وألم.
وبالعودة إلى الأوبئة، فقد عشنا مع الكوليرا خلال السنوات الماضية، وتوفي قرابة 4 آلاف يمني، فيما بلغت الإصابات أو الحالات المشتبه إصابتها بذلك أكثر من مليوني حالة، كأعلى رقم في بلد بالتاريخ الحديث.. وهذا إنجاز كبير يحسب لساسة اليمن الذين استطاعوا أن يجعلوا بلدهم في المركز الأول، ولو بطريقة “خاطئة مفجعة”.
هناك أيضا حمى الضنك وما يسمى” المكرفس” وحتى الملاريا التي لم يعد يعرفها العالم ، ما زالت تتجول بكل حرية في أرجاء اليمن الجريح.
هذه الأيام، باتت جائحة كورونا هي حديث العالم أجمع، واليمن أيضا لها حكايات وقصص مع هذا الوباء القاتل الذي أودى بحياة أكثر من نصف مليون إنسان في العالم، فيما استمر بالانتشار في بلدي قاتلا المئات على الأقل.
هناك في بلد “الإيمان والحكمة” قد تجد الحكمة تسير بطريقة معكوسة في ظل انتشار وباء كورونا، فالعديد من السكان حتى الآن غير مصدقين أن المرض الخطير قد انتشر وأن الوباء حقيقي، فيما هناك من يشير إلى أن السلطات فقط أعلنت عن ذلك من أجل الحصول على الدعم.
في اليمن تجد الكثير من الغرابة، في تصرفات الناس وقناعاتهم وأفكارهم الطيبة، ولا مبالاتهم في القضايا المهمة، وتفكيرهم العميق في القضايا التي لا تستحق أي اهتمام أو تفكير أو نقاش.
هنا تجد الكثيرين يستغربون من أي شيئ” طبيعي” .. من أي تصرف عقلاني منطقي يفترض أن يتم، فيما لا تلمس منهم ردا فعليا من أشياء لا يفترض أن تكون.. على سبيل ذلك : استمرار الحرب والبؤس والمجاعة.
إذا قررت الخروج من منزلك وأنت ترتدي كمامة في الشارع، ستجد الكثير من الناس يوجهون نظراتهم عليك بكل حدة واستغراب في الوقت نفسه، بل البعض منهم قد يلومك لأنك أتيت” بدين جديد” اسمه” كمامة”.. لسان حالهم قد يقول ذلك.
أحدهم يقول: “هذا ما في عنده إيمان بالله.. وآخر يقول: هذا خائف على نفسه، وثالث قد يقول: هذا شايف نفسه يحسب إنه خلاص لن يأتيه أي مرض بعد ما ” تقنع”!
وعلى الرغم من الكميات الكبيرة من معلومات التوعية بضرورة الوقاية من كورونا، إلا أن الفاعلية لدى الكثير من الناس لم تكن حقيقية.. فحتى إذا أصريت على عدم المصافحة، ضمن الإجراءات الاحترازية، فقد تواجه عوائق من قبل المجتمع، كأن يأتي أحدهم يصافحك بطريقة مفاجئة ومحرجة، أو يأتي آخر قائلا:” هيا سلم سلم مافيش حاجة.. ليش الكبر؟!. وهذا ما حصل معي تماما. والحمد لله قلبي واسع رغم ضيق الفرح في بلد الحزن والوجع.
المهم.. العيش في واقع يفتقر للوعي فيه نوع كبير من الصعوبة وتواجه فيه المعيقات والعراقيل حتى في أبسط القناعات التي تود أن تقوم بها حرصا على سلامتك، أو على الأقل محاولة العيش في واقع منطقي عقلاني خال من السلبيات والجهل والقناعات التي تكون سببا في دمار الكثير من الناس.
فكورونا ومختلف القضايا بحاجة إلى تعامل بحذر وعقل.. بعيدا عن التهويل أو التهوين.
فمن لديه قناعة عقلانية منطقية، فعليه القيام بها بعيدا عن رود أفعال البعض السلبية، فالنظر إلى ردود الفعل بجدية قد يكون سببا في الرجوع بالقرار الصحيح إلى الوراء.