ضمير ضائع في بلد المواجع!
أن تعيش مع الضمير ليس مستحبا؛ بل واجبا. فعندما يغيب الضمير_ خصوصا لدى القادة_ تظهر كل صنوف الأوجاع والمأساة الناتجة عن الفوضى الشاملة والصراعات الدائمة والخلافات المستمرة التي تحدث للأسف في وطن واحد فيه لغة واحدة ودين واحد وثقافات وعادات واحدة.. وفيه أيضا، وبشكل جلي وواسع “كميات هائلة من الصراعات والخلافات التي مازالت تحدث حتى الآن، وما بعد الآن”!
هنا أتحدث عن بلدي الجريح، عن وطني الممزق المفتت، عن يمن الإيمان والحكمة التي باتت تعيش أسوأ الأوضاع في الكرة الأرضية على الإطلاق.. نتحدث عن اليمن الذي كان سعيدا وحوله ساسته إلى أتعس بلد للعيش على مر التاريخ، وإلى بلد يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
في هذا البلد الكريم الذي يتسم شعبه بالعزة والكرامة والكرم، بات معظم سكانه يتجرعون ويلات الحروب وآهات الصراع التي خلقت أزمات مركبة يصعب على اليمني العيش معها، ما جعل البعض منهم يعيشون بأجساد نحيلة ووجوه شاحبة تفتقر لأدنى مقومات الحياة وأدنى مؤشرات الصحة، فيما العديد من ساسة البلاد ينتفخون كالبالونات.. وجوههم مكتظة باللحم، وأجسادهم لا تقوى على الحركة السريعة نتيجة طغيان النعيم الذي جاء على حساب ملايين البسطاء وملايين الجوعى.
استمرت الحرب “اللعينة” للعام السادس على التوالي، والمواطن البسيط يتجرع ويلاتها ونتائجها المرعبة.. أصبح البسطاء وحدهم من يدفعون ثمن هذا النزاع المرير، وهم فقط من يتم استخدامهم وقودا للحرب كي تستمر في “تجارة رابحة” يقوم بها تجار حروب من مكونات مختلفة.
عندما يغيب الضمير يظهر الوجع، وحينما يذهب الضمير يأتي الفزع، وفيما يكون الضمير متلاشيا نشهد في الوقت ذاته كل صنوف المأساة والبؤس والجوع والبطالة، وهو ما يحصل في اليمن حاليا منذ سنوات.
اليمن تعاني فعلا أزمة ضمير.. غياب ضمير.. أو على الأقل تراجع كبير في مؤشر تحكيم الضمير.. فلو كان ساسة البلاد، قادة المكونات، لديهم ضمير يؤنبهم لما وصلنا إلى هذه الحال من الأوجاع والأحزان.
أي ضمير يجعلك تستمر في الحرب والصراع والنزاع، فيما الملايين أمامك يعيشون الوجع والبؤس والفاقة.. وأي ضمير يجعلك تستمر في “بحبوحة” العيش والناس أمامك يعيشون على صدقات الخارج وتبرعات الداخل؟؟!
أي ضمير لديك أيها القائد وأنت ترى المساكين في ازدياد، وعدد المرضى في ارتفاع، وحصيلة الفقراء في تضخم متزايد، والسبب هو أنت يا من كنت سببا في إشعال الحروب واستمرارها، ويا من بنيت أحلامك على دمار واقع الملايين من الجوعى والبؤساء والمساكين.
الواقع اليمني بحاجة ماسة إلى مراجعة الضمير.. بحاجة عاجلة إلى استرجاع ما تبقى من قيم إن وجدت، فالوضع لم يعد يحتمل الكثير من الوجع، فكثير من الناس باتوا يتمنون الموت كل لحظة والسبب ساسة كانوا سببا رئيسيا في إدخال البلد إلى صراعات لا يبدو لها نهاية.
ماذا لو قرر الساسة تفعيل الضمير والبدء في حوار حقيقي فعال يعمل على إنهاء مسببات الحرب، مع الاعتراف بالأخطاء الجسيمة التي وقعت وما زالت.
سيكون شعورا جميلا لدينا جميعا لو استعدنا الضمير.. هذا الأمر فقط من سيستعيد لنا أرضنا وسيستعيد الدولة والنظام والقانون، وعلى الأرجح بعدها سيعيد الفرحة والبسمة لملايين القلوب الجريحة والشفاة التي تشققت من ويلات الحروب ولم تعرف بسمة مذ عرفت الصراع المرير.
حتى لو عمل مكون يمني فاعل بضمير حقيقي ومراجعة حقيقية وبنى أهدافه وأعماله على قيم سامية هدفها الوطن والمواطن؛ فإننا سنلمس فرقا حقيقيا في واقع الصراع، وفي طبيعة حياة المواطنين البؤساء.. أما أن يستمر الجميع في البعد عن الضمير؛ فإننا لن نلمس سوى المزيد من الوجع.
لساسة اليمن جميعا، من مختلف المكونات نقول: الشعب مل منكم ولم يعد يصدقكم.. أصبح مشغولا بكيفية الحصول على قوت يومه، وفي كيفية الاستمرار في العيش والبقاء في ظل الوجع الدائم.
لم يعد الكثير منا يعجبهم هذا وذاك.. كلنا نمقت تصرفاتكم جميعا.. مع فارق نسبة المقت بين هذا وذاك.. فإن لم تعيدوا لنا ضميركم فالهلاك سيكون لكم أيضا، ولن يكون بعيدا عنكم أبدأ!