خطيئة العنف في مواجهة الفكر
نعيش في كل ربوع بلدي اليمن واقع سوداوي ومأساوي، خلق حالة مهولة من السلبية القاتلة، والتذمر والاحباط، لا يكاد أن تسأل فتجد اجابة محبطة.
صار الاحباط والتذمر هو المسيطر على هذا الواقع، مرهون بحالة من الخوف من ذلك الاخر، بصوت الشكاء والبكاء المرتفع، يصنع زوبعة من الاتهامات والتخوين والتكفير للأخر، ويصرف صكوك براءة الذمة والنزاهة بمزاج ضيق، ضاربا النظام والقانون لعرض الحائط.
سلبية دمرتنا من الداخل، وافقدتنا وعي التعايش، لم تبقى ولم تذر، لا ارث حضاري تركه لنا الاسلاف، ولا هامش ديمقراطي تعددي حاولنا من خلاله مقاومة الافكار البالية التي تفرزها القوى التقليدية، تحت لافتات عقائدية او تراثية او اعراف وشرائع تجاوزها العصر، في معركة وجودية، كادت ان تفضي، للخطوة الاولى الصحيحة لتجاوز العنف الذي يغذي تلك القوى لفرض ارادتها، في حوار وطني، تصدت له القوى التقليدية وتماهى معها الخوف من الاخر.
معركتنا الوجودية، هي معركة فكر وثقافة ، تغذي فينا الروح الايجابية لمواجهة تلك الافكار الهدامة، والفكر مصدره العقل، وسلاحه الوعي، في مواجهة الحجة بالحجة، التي تضمن عدم المساس بثقافة التعايش والتنوع الفكري والثقافي والسياسي والعقائدي معا، باعتبار ذلك التنوع هو ايقونة الحياة ، وفسيفساء الروح الاجتماعية، روح الجمال والتسامح والتصالح والتوافق، لتنهي للابد قبح الانتقام والثارات والجروح التي تعمق من الخصومة والفجور، وتزيد من حجم التراكمات، وتغذي دائرة الموت والغلو والاصولية، بتعزيز العصبية التي ترفض الفكر الاخر والراي الاخر، ولا صوت يعلو فوق صوتها .
متطلبات العصر تستدعي قوى الحداثة، وهي القوى التي تتغير ايجابيا وفق المتغيرات الايجابية لذلك العصر، لا نحتاج اليوم للقوى التقليدية بمختلف توجهاتها، كانت يسارية او يمينية، كانت دينية او فكرية، نحتاج للقوى القادرة على تكون أكثر برجماتية مع البرجماتيين أنفسهم، القوى التي تتطور مع تطورات العصر لتواكب النهضة، القوى المتمسكة بثبات القيم والمبادئ والاخلاقيات، التي تعزز الروح الايجابية في الفرد والمجتمع، لنكن اناسا كسائر الانسانية.
الارهاب بحد ذاته وهو معركة فكرية، في كيفية السيطرة على النعرات، كيفية السيطرة على الافكار التي تصنع غلو واصولية وعنف وعنف مضاد، مقاومة الفكر يتم بفكر، حيث تغلب الحجة، وهذا يستدعي وعي بتلك الحجة، ومع كل توسع لمساحة الوعي، تتمكن قوى الحداثة من الاقناع بحجتها، لدحض الحجج المدمرة للحياة والعلاقات والتنوع وفسيفساء النسيج الاجتماعي.
الخطيئة التي ترتكب اليوم، هي استخدام العنف في مواجهة الفكر الاخر، والاعلان عن اجتثاثه بقانون القوة، ما يعزز ثقافة ارهاب الفكر، وارهاب الاخر، ويغرق اصحاب تلك الخطيئة في الانتهاكات والجرائم التي تفرضها فكرتهم، بل يعطي الاخر مبررات المواجهة والتعصب والغلو، أي انهم بذلك يصنعون بيئة مثالية لتنامي روح الارهاب، وخلق مبررات معركة حق الوجود بين اوساط كل من يتضرر من تلك الخطيئة.
لتجاوز هذه الخطيئة نحتاج لوعي وقناعات، ان معركتنا فكرية، لا تحتاج لعنف، وان السلاح وسيلة الا وعي، يفرض واقع على الاخرين بقانون القوة، ونحن نحتاج لقوة القانون، لنضع الجميع تحت سلطة ذلك القانون، ونحيد القوة لتحمي ذلك القانون، قوة منضبطة بمؤسسات دولة يتوافق عليها الجميع، دولة منضبطة بدستور ضامن للمواطنة والعدالة وحرية الراي والفكر والعقيدة والتعدد السياسي والعرقي بحيث لا يضر بحق الاخرين، ولا يصر بفرض واقع يخصه بمنأى عن الاخرين، وعزلهم عن المشاركة الحقيقية في القرارات المصيرية.
**المقال خاص بموقع “يمن مونيتور” ويمنع نشره وتداوله إلا بذكر المصدر الرئيس له.
*** المقال يعبر عن رأي كاتبه.