تعجز الجماعات الارهابية التقليدية عن اختطاف الدولة واستلاب مؤسساتها، فهي لا تملك أذرع مدنية قادرة على التوغل في الدولة عمودياً من خلال كوادر قادرة على الاختراق.
عبدالله اسماعيل
تعجز الجماعات الارهابية التقليدية عن اختطاف الدولة واستلاب مؤسساتها، فهي لا تملك أذرع مدنية قادرة على التوغل في الدولة عمودياً من خلال كوادر قادرة على الاختراق.
فتكتفي بالجانب العسكري لإسقاط مدينة أو عدة مدن دون قدرة حقيقية على ادارتها وتسخير مقدرات الدولة لخدمة اغراضها، وبالتالي يكون من السهل ازاحتها وهزيمتها.
أخطر ما في الحوثية الامامية أنها تتجاوز ذلك، فهي تمتلك ذراعاً مدنياً مرعباً لا يقل عن الذراع العسكري، عمل منذ ما قبل اسقاط صنعاء واختطاف الدولة على التغلغل المدروس في مؤسسات وهيئات الدولة ومرافقها المختلفة، بما سمح بتوظيف كل مقدرات الدولة اليمنية لخدمة الميليشيا وأهدافها، ما جعل مقولة “حوثنة الدولة” أقرب إلى الحقيقة المطلقة، ولعل أوضح مثال في ذلك قدرة الحوثية الامامية على اسقاط وتدمير الجيش واستخدام مقدراته في حربها واجتياحها للدولة اليمنية.
الجماعات الارهابية التقليدية تتسم تصرفاتها وشعاراتها بالصدام المباشر والفوري مع الشعارات والمبادئ المدنية، فهي منذ البداية تكفر الآخر وترفض الممارسة الديمقراطية والأحزاب والحياة السياسية جملة وتفصيلاً، وهي بذلك تفقد كثيراً من القدرة على التغلغل في المجتمع أو اكتساب مناصرين مدنيين أو الوصول إلى التحكم في الادارة المؤسسية للدولة، الحوثية الامامية – وبعكس الجماعات الارهابية التقليدية – تؤجل الصدام مع المجتمع والآخر حتى التمكين، مع أن منطلقاتها الفكرية لا تختلف اطلاقاً عن تلك الجماعات، فالحوثية الامامية خطابها ديني متطرف وتسعى للحكم باسم الدين والسلالة، وتكفر أي مخالف بدعاوى الاصطفاء وهي لا تؤمن بالممارسة الديمقراطية او السياسية، فمنطلقاتها العقدية تنسف كل ذلك، وجهداً بسيطاً في أدبيات الجماعة ومحاضرات مؤسسها وكتابات قياداتها وتصرفات مثقفيها ستؤكد أن فكر الحوثية الامامية أكثر تطرفاً وضيقاً بالآخر من كل الأفكار الارهابية الأخرى وأعظم سواداً.
لدى الحوثية الامامية القدرة على اعطاء الانطباع العام بقدرتها على التعامل مع متطلبات الحياة المدنية والشراكة، فهي نظرياً ليست ضد الانتخابات والشراكة والمواطنة، وهي تستخدم أيضاً شخصيات مدنية أو حتى علمانية مقبولة تصل إلى تمثيلها والتحدث باسمها في حدود تخدم الغرض من استخدامهم.
الحوثية الامامية لا تعلن مواقفها بوضوح من الآخر المخالف ما يسمح لها بالخداع والمراوغة وكسب شركاء مدنيين تتعامل معهم الحوثية الامامية كعلاقات مؤقته وتحالفات تكتيكية تستخدمها للوصول إلى الأهداف والموضوعة سلفاً على أسس لا تخضع عملياً، وكليا لتلك الشعارات والمبادئ.
الممارسات الفعلية للحوثية الامامية ما بعد اسقاط صنعاء تؤكد قدرة هذه الجماعة على اللعب السياسي والعسكري، واستخدام كل الوسائل للوصول إلى تحكم كامل في ادارة الدولة .. ابتداءً رفعت الجماعة شعار المظلومية لتكتسب التعاطف المجتمعي وخاصة تعاطف الفئة المثقفة وقادة الراي – الذين انقلبت عليهم الجماعة بقذارة فيما بعد – كما استخدمت حاجة الناس ومعاناتهم ابتداء من حنق الناس على حكومة الوفاق وانتهاء برفع شعار اسقاط الحكومة والجرعة وتطبيق مخرجات الحوار وهي الشعارات التي أظهرت الأيام كذب الجماعة الفاضح فيما يتعلق بها.
استخدمت الجماعة اتفاقية السلم والشراكة التي وقعتها – بالضغط العسكري المنتصر -مع كل الفعاليات السياسية لاكتساب مشروعية المطالبة بتقاسم كل شيء في الدولة دون ان تنفذ من التزاماتها أي بند، ولتصبح حجة عدم تنفيذ الاتفاقية مبررا لما سياتي من الاجراءات.
ضغطت الجماعة في اتجاه تشكيل حكومة شكلية لتمارس بعدها عدداً من الخطوات للوصول إلى الاعلان الدستوري واللجنة الثورية ومن ذلك اجبار الرئيس على الاستقالة، ووضع الحكومة ورئيسها تحت الاقامة الجبرية للوصول للهدف الأهم في هذه المرحلة وهو اعلان التعبئة العامة لاستكمال اجتياح الدولة واسقاط بقية المحافظات.
من جانب آخر فالحوثية الامامية كما هي كل الجماعات المتطرفة لا تتوانى عن ارتكاب افظع واسوأ الانتهاكات ضد الاخر، فالقتل والاختطاف والتعذيب والنهب والسرقة والتفجير ومصادرة الحرية الفكرية وحرية الرأي والاخفاء القسري ممارسات تتساوى بها جماعات الارهاب “حوثية” أو “قاعدية” أو “داعشية”، والجميع يمارس ذلك باسم الدين.
الرفض الشعبي والمسلح الذي قام به اليمنيون لمواجهة الحوثية الامامية حدت كثيراً من خطرها، وحطمت قدرتها على استكمال مشروعها التمكيني، ولولا الذراع المدني للحوثية الامامية في كل مؤسسات الدولة وقدرتها على تسخير المقدرات العامة للدولة لدعم مجهود ذراعها العسكري لما احتاج الأمر هذا الوقت الطويل لكسرها وهزيمتها.
إن خطر الحوثية الامامية على الدولة اليمنية هو خطر وجودي مثله كخطر الجماعات الارهابية التقليدية مع خطورة اضافية ومرعبة تتمثل في قدرة هذه الجماعة على المراوغة السياسية والتوغل العمودي والأفقي في الدولة، ما يسمح باستلاب اليمن وتفرد هذه الجماعة بحكمه حسب مشروع ملشوي ارهابي اقصائي بصورة مدنية خادعة.