“المسحراتي”.. موروث حضرموت اليمنية في رمضان ينتقل عبر الأجيال (تقرير خاص)
يعتبر “المسحراتي” من العادات والتقاليد التي توارثتها الأجيال في محافظة حضرموت “شرقي اليمن”، وحافظ عليها الجيل الحالي خوفاً من الاندثار.
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
يعتبر “المسحراتي” من العادات والتقاليد التي توارثتها الأجيال في محافظة حضرموت “شرقي اليمن”، وحافظ عليها الجيل الحالي خوفاً من الاندثار.
وعادةً تبدأ مهمة “المسحراتي” من أول يوم في شهر رمضان المبارك، بقرعه للطبل “الطاسة”، وعلى هذا المنوال يقضي أيام هذا الشهر الفضيل، بهذا الحال، ولا يحركه أي حافزٍ مادي بل ذاتي.
ويبدأ “المسحراتي”، بقرع “الطاسة”، من الساعة الثالثة والنصف، قبيل تناول وجبة “السحور” ويجوب شوارع وأزقة منطقته، وغالباً يبدأ من مسجده، وأثناء عمله يقرع بعض أبواب البيوت، والآخر ينتظر ويقف برهة من الزمن، ويقرع الطاسة أمام المنازل.
الحفاظ على الموروث
في الغالب يكون الشخص الذي يقرع “الطاسة”، من أسرة واحدة، تتوارثها الأجيال، ففي سيئون عاصمة وادي وصحراء محافظة حضرموت، تمارس هذه العادة الرمضانية، عائلة آل باصالح .
وأما في منطقة “الغرف”، إحدى ضواحي مدينة تريم، فلا تزال عائلة آل بن حميد، محافظةً على التراث منذ القدم، وحتى الآن، فيأخذ “الطاسة”، الأول والثاني والثالث …وهكذا، ويعتبرونه حق من حقوقهم.
ويقول “المسحراتي”، هود محفوظ حميد ذو الـ “57عاما”، لـ”يمن مونيتور”، “إنه يمارس عادة “المسحراتي”، منذ أكثر من عقدين من الزمن، في “الغرف” حيث بدأ وهو لا يزال شاباً”.
ويشير “المسحراتي”، بن حميد، “إنه الآن في طور تدريب نجله الأكبر “محمد”، فيرافقه يومياً أثناء قرعه “للطاسة”، حتى يأخذ الخبرة من والده، وبعدها يتولى المهمة. مضيفاً بأن هذه الطريقة تأتي في المقام الأول من أجل الحفاظ على التراث”.
عمل تطوعي وذاتي
ويؤكد “المسحراتي”، بن حميد لـ”يمن مونيتور” ، أن هذا العمل لا يتقاضى عليه مال من أحد، من جهة حكومية أو خاصة، وأنها ” إرث العائلة منذ القِدم، وعمل تطوعي وذاتي، نبتغي الثواب والأجر من الله تعالى”.
وأشار إلى أن دوره كمسحراتي “يعتبر فضل كبير، ونستشعر أجر ذلك، وتظهر لنا علامات ودلالات، وأعمال مباركة، بسبب عملنا وإيقاظنا للنائمين”.
وعن المفارقة الشاسعة بين الحاضر والماضي، فيقول، “قديماً لا تتوفر الإنارة الكافية للشوارع، فنضطر لأخذ شخصاً يرافقنا أثناء ممارسة العادة الرمضانية، ويصطحب معه سراج، حتى يرى الطريق، بالإضافة إلى عود للدفاع عن النفس في حالة أي هجوم من حيوان، أو غيره”.
وأكد بن حميد، “أن الوقت الحاضر، توفرت الانارة في الشوارع بشكل كافي، وهذا ما جعل عملنا، سهلاً”.
تقليد وتراث أصيل
من جانبه يقول حسن بلدرم، وهو باحث تاريخي ينتمي لمدينة تريم، لـ”يمن مونيتور”، “في السابق كان الناس يهتمون كثيراً بالمسحراتي، فيعطون (المسحراتي أو المنبه وكذلك المهلل)، زكاة يسلمونها إياه آخر ليلة في رمضان، أو يقدمون له قمح وآخرين يعطونه بعض الأموال” .
وأضاف: “الآن في الحاضر قل الاهتمام بالمسحراتي، وخصوصاً مع انتشار الساعات والجوالات بأنواعها، وإضافةً إلى ذلك لا يقدمون له أي شيء من زكاة أو غيره، كما يفعل في السابق، إلاّ القليل”.
واعتبر بلدرم العادة “تقليد وتراث أصيل، يحاول كثيرون الحفاظ عليه من الاندثار”
ويقول حسن بلدرم، لـ”يمن مونيتور”، “إن ظهور عادة “المسحراتي” أو المنبه كان في القرن التاسع الهجري، ونُقلت هذه العادة إلى اليمن بشكلٍ عام عبر الأتراك”.
ولفت “أنه لا يزال الناس يحافظون عليها، لأنها تعتبر ثقافة وعادة قديمة، تتوارثها الأجيال، فغالباً تقوم بعض العوائل بالمحافظة عليها، ويعتبرونه واجب وحق من حقوقهم، ويظلون متمسكين به، فكلما تقدم شخص في العمر، من هذه العائلة، يأخذها غيره”.
كيف تؤدى عادة “المسحراتي”؟
ويؤكد بلدرم لـ”يمن مونيتور”، “أن السابقون اعتمدوا في معرفة دخول وقت السحور، عن طريق منازل النجوم، فيبدأ بقرع الطاسة، ويزيد بعضهم على ذلك بقرعه لباب البيت إلى أن يرد عليه رب البيت، بعدها يذهب ويواصل المسير، ويدشن مهمته من المسجد الذي يصلي فيه، عند الساعة الثالثة والنصف، ويطوف بالبلاد كاملاً”.
وأشار أن طريقة عملها تختلف من منطقة لأخرى، فالبعض فقط يسير في الشارع ويجول بالبيوت، ويردد عبارات منها (لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعدها يقول يا فلان فلاح وهكذا)”.
ويكون مع “المسحراتي”، فانوس “سراج” لأن قديماً لا تتوفر الإضاءة الكافية، ويتواجد كذلك معه عصا، ” يحتمي بها من أي مهاجمة من حيوان أو غيره، وحين قرعه “للطاسة”، بعض الأسر وقتها تقوم بتجهيز وطباخة “الفلاح” (السحور)، فيتعاقب المهلل الذي يردد “لا إله إلاّ الله “، و”المسحراتي” المنبه على قرع الطاسة.
ويتابع بلدرم حديثه لـ”يمن مونيتور”، “ويؤكد أن الأول يقوم بتنبيه الناس، وآخر يقوم بالمناداة على كل صاحب بيت ويقول “يا فلان فلاح”. ويضرب “بلدرم”، مثالاً لشخص يُدعى “سعيّد بن دومان”، كان ذلك قبل 40 سنه، من منطقة السوق بمدينة بتريم، الذي حمل على عاتقه هذه المهمة حتى كُبر في العمر، وتركها لغيره، وآخر يُلقب بـ”حنكيلة” في النويدرة بتريم، وكل حي من أحياء مدن حضرموت، شخص يقوم بهذه المهمة”.
ويقول “أما في سيئون عاصمة وادي وصحراء محافظة حضرموت، فيقوم “المسحراتي” بدق الهاجر ويردد (يا فلان فلاح)، وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان يقرع الطاسة “المسحراتي”، والأطفال يمشون معه ويمر على البيوت ويردد ( اليوم يوم القواعد… والمستوي ما يواعد)”.
عادة جميلة
ويقول المواطن سمير مبارك لـ”يمن مونيتور”، “إن عادة “المسحراتي” شيء طيب وجميل، واستمرارها يعتبر خدمة للناس، من أجل ايقاظ النائمين للسحور، مضيفاً أنه “المسحراتي”، غالباً يؤدي هذا العمل بشكل طوعي” .
من جهة أخرى، يقول المواطن عاصم عمر لـ”يمن مونيتور”، “إن عادة المسحراتي في الوقت الحاضر، لها وقع خاص في القلب والمجتمع ككل، فهي تميز شهر رمضان عن غيره من الأشهر، فبقرع الطاسة في رمضان يعطي لرمضان جمالُ آخر، واستمرارها يعتبر حفاظاً على عادة حسنة اعتاد عليها الأجداد”.