فكر وثقافة

مبادئ بناء السلطة وإدارتها في الإسلام (عرض كتاب: السنة السياسية) 1-2

منذ فجر التاريخ والصراعات لم تتوقف في سبيل الوصول للسلطة، وفي ظل الانقلابات الجارية اليوم في البلدان العربية وبعض دول العالم، تتواتر الأسئلة حول السلطة والحكم، وطبيعة الصراع، وفي كتاب هو من أجرأ وأعمق الرسائل قدم المفكر العربي الدكتور “محمد بن المختار الشنقيطي” رؤية منهجية علمية واقعية لبناء السلطة وأداءها وذلك انطلاقا من السنة السياسية للنبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين.

يمن مونيتور/ خاص/ من حسين الصوفي
منذ فجر التاريخ والصراعات لم تتوقف في سبيل الوصول للسلطة، وفي ظل الانقلابات الجارية اليوم في البلدان العربية وبعض دول العالم، تتواتر الأسئلة حول السلطة والحكم، وطبيعة الصراع، وفي كتاب هو من أجرأ وأعمق الرسائل قدم المفكر العربي الدكتور “محمد بن المختار الشنقيطي” رؤية منهجية علمية واقعية لبناء السلطة وأداءها وذلك انطلاقا من السنة السياسية للنبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين.
هنا أتمنى لكم وقتاً ممتعا مع  عرض كتاب، يعتبر من أهم الرسائل التي ناقشت صلب القضايا، وتناول أهم وأخطر المشاكل، وغاص في جذر الحياة وأصل الاستقرار، ألا وهي فكرة “السلطة السياسية” أو “إدارة الدولة” وذلك في كتاب بعنوان “السنة السياسية في بناء السلطة وأداؤها”، للمفكر العربي الدكتور “محمد بن المختار الشنقيطي”، وهو كتاب ذو أهمية بالغة من حيث:
تشخيص جذر المشاكل وصلب القضايا التي تعاني منها الأمم منذ فجر التاريخ، وهي محور الصراعات، ومنشأ الحروب، “السلطة”.
التأصيل لقضايا السلطة والحكم وإدارة الدولة من منظور إسلامي منهجي علمي مبادئي راقي، وهو يرد على من خذلوا عقولهم واستسلموا لشبهة أن الإسلام لم يقدم رؤية للحكم وإدارة الدولة، وأعني بها “وهم العلمانية” – ولي قناعة بذلك.
تفكيك مصطلحات القضية السياسية، من خلال تعريف الحاكم، الشعب، السلطة وربط ذلك بمهام كل طرف.
تناول مسألة المشاركة السياسية للمرأة بصورة سهلة ومنطقية، منطلقاً من التجربة التشريعية للنبي صلى الله عليه وسلم، واختصر فيها اللغط والجدل الناتج عن قصور الفهم،.
الكتاب عبارة عن رسالة صغيرة الحجم، إذ جاءت في 46 صفحة فقط، لكنها بالغة الدلالة وعظيمة الفكرة، وقوية ومنهجية، وذات بعد أصولي تغوص في المبادئ العامة للتشريع، بما يحقق مصلحة “الناس”، والمصلحة هي المقصد الأسمى للوحي ولرسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
بدأ المؤلف الكتاب بمقدمة “بين يدي الكتاب”، أورد في رأسها:
إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه ** ونكّب عن ذكر العواقب جانبا
ولم يستشر في أمره غير نفسه ** ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا
وهما بيتان من شعر سعد بن ناشب، كما ذكر المؤلف في حاشية المقدمة، – والشنقيطي شاعر بليغ القول قوي الحجة صادق الحس- وفيها يشير إلى داء الأدواء وجذر المخاطر وأصل المصائب التي تعانيها البشرية، وأولها أمتنا الإسلامية، تتمثل في “الاستبداد” أو التفرد بالرأي العام في إدارة الشئون السياسية للدول.
قال المؤلف ” وغاية هذه الرسالة الأولى (من رسائل الفقه السياسي) أن تسهم في تجلية المبادئ الأساسية المؤسِّسة لبناء السلطة وأداؤها، من خلال استقراء لبعض ما ورد في السنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين من سوابق سياسية في هذا المضمار”.
ويضيف المؤلف وهو يسرد نقاط الرسالة:
“ونحاول عبر استنطاق هذه النصوص استنباط إجابات على بعض الإشكالات ذات الصلة بهذا الشأن مثل:
–          معايير الكفاءة السياسية في الإسلام.
–          الفرق بين الشورى والمشاورة.
–          من يشملهم الأمر بين الشورى والمشاورة.
–          مدى الإلزام والإعلام فيهما (الشورى والمشاورة).
–          وضع المشاورة في موضعها.
–          تخصيص أهل العلم والخبرة بمكانة خاصة في هذا الأمر.
–          اعتبار الأغلبية مرجحا وقت التشاور.
–          حق المرأة المسلمة في المشاركة في الشورى والمشاورة.
وأشار إلى أن الرسالة لا تطمح إلى تقديم إجابات شافية لكل هذه الإشكالات – حسب وصفه- بل هي محاولة لكشف جوانب من النموذج الإسلامي في بناء السلطة وأداؤها، ودعا إلى الغوص في التجربة السياسية للمجتمع الإسلامي في عهد النبوة والخلفاء الراشدين، ففيهما ثراء باهر يجيب عن هذه الأسئلة.
ثم عرّف الحاكم تحت عنوان “الأمير أجير” واختار هذا المصطلح “الأجير” للمسؤول، منطلقاً من “التصور الإسلامي الحق لمنزلة الحاكم وعلاقته بالأمة، فالأمة هي رب العمل والحاكم أجير عندها.
ومن هنا فإن المؤلف قد أتقن حصر الدور السياسي للحاكم، وطبيعة منصبه وعلاقته بالأمة والشعب، وبهذا يكون قد فكك التعقيدات التي تسبب الصراع المحتدم الذي يخلف أنهارا من الدماء حول الصراع على السلطة، وبأسلوب مختصر وميسر، تناول تحت عنوان “القوي الأمين” أهم صفتين يجب أن تتوافر في الحاكم مقتبسا ذلك من قوله تعالى “إن خير من استأجرت القوي الأمين”، وهذا يأتي تتبعا لطبيعة العلاقة بين الحاكم “الأجير” وبين الشعب “صاحب الحق” ، ثم أشار إلى أن مدلولات الصفتين تشمل صفة الأمين: الأخلاق والقيم التي تكبح جماح الحاكم وتكون وازعا له من نفسه في عدم استئثاره على السلطة والثروة، وأما صفة القوي: فهي تشمل الخبرات السياسية والعسكرية والفنية التي تمكنه من الاضطلاع بمهمته على الوجه الأكمل والأصلح للأمة.
وذهب إلى أن اجتماع الأمانة القوة في الناس قليل، واستعرض نصوصاً ووقائع تؤيد ذلك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وتعامله مع المجتمع وخلفاءه من بعده، لكنه ضبط هذا الأمر بمبدأين مهمين أسماهما “المواءمة والتكامل” وأنهما يحفظان التوازن، وذلك حتى لا يغرق الناس في جدلية من هو “القوي الأمين”.
ثم استعرض أهمية مبدأي “الشورى والمشاورة” وعلاقتهما بالحكم وطريقة الأداء السياسي وإدارة الدولة، وعرّف الشورى والمشاورة، وكل من لهم علاقة بهذا المبدأ وكيف ومتى يتم، واختصر ذلك كله في العنوان “الشورى والمشاورة تعصمان من الزلل” وقال:
لقد قدّم الإسلام أروع حل علمي لإشكال “القوة والأمانة” وذلك بسلطان الأمة الذي يتجسد في مبدأين: الأول مبدأ الشورى والثاني مبدأ المشاورة.
وأوضح من الناحية الشرعية واللغوية أبعاد هذين المبدأين، وشدّد على أن الشورى في “بناء السلطة” واجبة وملزمة، والمقصد هنا اختيار الحاكم ووضع منظومة الحكم من دستور ومؤسسات، أما في إداء السلطة فهي بين “الإلزام والاستعلام” وهناك استعرض معنى الالزام والاستعلام وأين وكيف يتم الأخذ بهما ومتى وممن.
نستكمل في الحلقة الثانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى