كتابات خاصة

بيان الهدى من الضلال

أحمد ناصر حميدان

  
لقد خلقنا الله احرارا، وقالها الفاروق رضي الله عنه (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا).
لا مبرر لإراقة الدماء وهدر النفوس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، والحق كما هو في النص قراني، هو في عصرنا النظام والقانون، أي العقد الاجتماعي المتفق عليه والمنظم لإيقاع الحياة والعلاقات محددا بدقة للحقوق والواجبات.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
لقد اخبرنا تعالى انه خلقنا من نفسا واحدة، وجعل منها زوجها وهما آدم وحواء وجعلنا شعوباً وهي أعم من القبائل والفصائل والعشائر والأفخاذ وغير ذلك.
والشعب مصطلح في علم الاجتماع والسياسة يشير إلى مجموعة من الأفراد أو الأقوام يعيشون في إطار واحد من الثقافة والعادات والتقاليد ضمن مجتمع واحد وعلى أرض واحدة.
ومع تطور العصر , تطور الانسان، وانتقل من روابط الدم والعرق، إلى روابط اكثر انسانية، روابط الشعب الواحد والارض الواحدة، وقيم التعايش والعيش الكريم والمواطنة، والدولة الضامنة لتلك القيم.
وجد الانسان على هذه الأرض ليعمرها، وينتفع من خيراتها، لا يوجد نص لا ديني ولا دنيوي، يقول إن الله خلق هذه الأرض ليسود فيها جماعة على اخرى، لتغتصبها جماعة وتستثمر خيراتها، وتهيمن على سلطتها على حساب الفئات الاخرى، لتؤسس واقع من الظلم والقهر، والصراع على السلطة والثروة، فتهدر الدماء وتزهق الأرواح، ليسود القوي على الضعيف، ويتملك الارض وما عليها، ليكون الآخر مجرد مملوك.
وهذا ما أشار إليه ابن خلدون في مقدمته الشهيرة بمقولة (الظلم مؤذن بخراب العمران).
وما نحن فيه من خراب ودمار، نتائج لظلم بعضنا لبعض، بطش المتكبر والمتسلط على الناس، القوي على الضعيف، بضعف ايماننا بالقيم الانسانية التي يدعوا لها الاسلام وتتفق معه كل القوانين وبرتوكولات الدولة العادلة والمواطنة والتعايش والسلام الاجتماعي، هناك نقاط مشتركة تجمعنا لحياة أفضل، ونتعايش بسلام، وهي القاسم المشترك بين الاشتراكية والرأسمالية والعلمانية والدينية، وما دونها من عبادات والتزام عقائد، حصرها الله في ذاته الالهية حق العقاب والحساب، وأعطى المومن حق النصح والارشاد بالتي هي أحسن، أما الايدولوجيا فتخص الفئة التي تؤمن بها، ولا يوجد ما يجعلها فرض أمر واقع غير وهم عصبتها.
بيان الهدى من الضلال، اضلال اعمى بصيرتنا عن هدى الحياة السعيدة، ضلال أتعسنا وزاد من حجم مأساتنا، وهدى تسقط  كل مبررات الصراع على السلطة والحكم، والحق الالهي والعرقي والطائفي والايدولوجي في التسلط والهيمنة على الناس.
 تسقط كل مبررات التخوين والتجريم والاتهام خارج بنود النظام والقانون، و الغاء الاخر واستئصاله واجتثاثه، تسقط كل مبررات الانتهاكات المرتكبة والاغتيالات والاحكام السياسية، والتصفيات العرقية والايدولوجية.
وتسقط كل الدعوات الصغيرة لتفكك وحدة الشعب، ووحدة الأرض، لخرق قيم التعايش، وحق الجميع في العيش الكريم، وما يدعو للعودة للخلف، والتصدي لعجلة التغيير، وحركة التاريخ التي تسير نحو تجمعات سكانية أكبر وتقارب أكثر، وتعايش وتقبل للأخر كما هو، لا كما يراد له أن يكون.
كل جرائم اليوم خلفها دعوة من تلك الدعوات التي ترفض القبول بهدى العملية السياسية التي تؤسس للدولة الضامنة لوحدة الشعب والارض ومصير الامة،  دعوات ظاهرها الرحمة وباطنها نار تسعر الحياة خراب ودمار وتقضي على كل خير فيها، رحمة لم تعد لها وجود في نفوس وأفكار وثقافة أصحاب تلك الدعوات، وهدى تصارع ضلال تلك النفوس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى