كان اكتشاف مواطنين للقى أثرية في منطقة قَدَس في محافظة تعز/جنوب غرب خلال شهر ديسمبر/كانون الأول وعرضها وهي بحوزتهم في منصات التواصل الاجتماعي، مناشدين السلطات استلام الموقع، في السنة الخامسة من الحرب سجّلت الثقافة اليمنية في عام 2019 مزيداً من الخسائر على صعيد التراث الثقافي، وهي خسائر لم تمنعْ تسجيل مكاسب أيضاً، لكن على صعيد النشاط الإبداعي الفردي والجمعي غير الحكومي. ففي الوقت الذي تتسع فيه دائرة سرقة وتهريب الآثار والمخطوطات، وتجاهل معاناة المُدن التاريخية والحرف التقليدية، وتراجع النشاط الثقافي الحكومي لأدنى مستوياته، تصاعد الألق الثقافي الفردي، على صعيد إصدارات الكِتاب والعمل الفني وإحراز جوائز دولية، إذ لم تستطع حرائق الحرب إيقاف العرض الجمالي للعمل الثقافي في هذا البلد المنسي.
التراث الثقافي
كان اكتشاف مواطنين للقى أثرية في منطقة قَدَس في محافظة تعز/جنوب غرب خلال شهر ديسمبر/كانون الأول وعرضها وهي بحوزتهم في منصات التواصل الاجتماعي، مناشدين السلطات استلام الموقع، تعبيراً عما وصل إليه حال المواقع الأثرية، فيما السلطات المتعددة على امتداد البلاد مشغولة بحسابات تجارة الحرب؛ وهو الوضع الذي استغله تجار الآثار، حداً صارت هناك متاجر في بعض مناطق البلاد لبيع الآثار والمخطوطات، بالإضافة إلى عرضها وتسويقها على شبكة الإنترنت، ويدلل على ذلك ارتفاع مؤشرات تجارة الآثار اليمنيّة في أسواق الفن الأوروبية والأمريكية، خاصة خلال عام 2019، ما حدا بوزارة الثقافة في الحكومة اليمنيّة الشرعية مخاطبة السلطات الأمريكية مطالبة بإصدار قرار يحضر بيع الآثار اليمنية في أسواق الفن في الولايات المتحدة؛ وهو ما كانت قد طالبت به وسائل إعلام أمريكية.
خلال عام 2019 مازالت المُدن التاريخية اليمنيّة (صنعاء، شبام حضرموت، زبيد) ضمن قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، مع استمرار تهاون السلطات المحلية في وضع حدٍ للمخالفات المعمارية في نطاقاتها. إلى ذلك مازالت مكتبات المخطوطات الحكومية تُعاني الإهمال، وتشكو محدودية ميزانياتها جراء الحرب، وفي مقدمتها دار المخطوطات في صنعاء، وهو ما يعرّض مخزونها الضخم والنفيس للتلف والسرقة. لم يشهد عام 2019 أي مشاريع حكومية أو غير حكومية بصدد حماية أو تنشيط جهود الحفاظ على الحرف التقليدية، التي أسهمت الحرب في انحسار أعمالها وتراجع مساحة حضور بعضها. على الرغم من ذلك جدير بالتنويه ما شهده قصر سيئون التاريخي في محافظة حضرموت (شرق) خلال عام 2019، من ترميم برعاية حكومية، وهو مشروع شمل واجهاته الخارجية وبعض مكوناته الداخلية. وسجل عام 2019 تراجعاً في نشاط وزارة الثقافة على صعيد الكِتاب والمسرح، وغيرها من المجالات الإبداعية والعلمية، مقارنة بما كان عليه نشاطها في عام 2018… وهنا حضر العمل الثقافي الفردي واضحاً في معظم المجالات الإبداعية من كتاب ومسرح وسينما وغيرها.
الكِتاب
على صعيد الكِتاب طغت الرواية على بقية أجناس الإبداع الأدبي، من حيث الإصدار؛ فصدَرت مجموعة من الروايات يصعب حصرها لتعدد دور النشر الصادرة عنها، وعدم توفر إحصائية رسمية. ومن أبرز الروايات اليمنيّة التي صدرت خلال عام 2019 رواية «بلاد القائد» للكاتب علي المُقري عن دار المتوسط في ميلانو، وهي روايته الخامسة وأول رواية يكتبها وينشرها منذ اختياره الاضطراري العيش خارج بلاده، جراء الحرب. كما صدرت رواية «حصن الزيدي» لمُحمَد الغربي عمران عن دار انطوان هاشيت في بيروت، ورواية «نبراس قمر» لسمير عبد الفتاح عن دار راشد للنشر في عجمان، ورواية «نبوءة الشيوخ» لبسام شمس الدين عن دار ممدوح عدوان في دمشق ودار سرد… وغيرها.
وفي القصة القصيرة صدرت مجموعة «التعبئة» لوجدي الأهدل عن دار أنطوان هاشيت. وفي الشعر صدر ديوان «يوتوبيا وقصائد للشمس والقمر» لعبد العزيز المقالح عن مؤسسة العويس الثقافية في الشارقة. كما صدرت عناوين يمنية روائية وشعرية وأدبية ونقدية مختلفة عن مطابع محلية كرواية «الصخور المهاجرة» لجلال الرويشان، وديوان «هزيم» لمُحمَد إسماعيل الأبارة، وكتاب «رحلة في أروقة الخيال» لعبدالوهاب سنين، وكتاب «الصراع السياسي في مجرى الثورة اليمنية» لقادري حيدر، وكتاب» مكاشفات ومقاربات» لمُحمَد ناجي أحمد. على صعيد المعارض لم تشهد اليمن أي معرض دولي للكتاب، كامتداد لسني الحرب العجاف، وانحصر الأمر في معارض محلية محدودة.
في الفن التشكيلي شهدت البلاد عدداً من المعارض الفردية والمشتركة، ومن أبرز المعارض الفردية التي شهدتها صنعاء، التي نظمتها مؤسسة بيسمنت، كمعرض الفنانة ليلي ياسين بعنوان «ترابط» خلال يوليو/تموز.
برامج ثقافية
في صنعاء اقتصر النشاط الثقافي الأسبوعي المنتظم طوال العام على مؤسسة بيسمنت (القبو) الثقافية ونادي القصة اليمنية، اللذين حرصا على انتظام برنامجيهما. وتضمن البرنامجان تنويعاً غلبت عليه اللقاءات الثقافية المفتوحة والعروض الفنية المحدودة. وعلى صعيد العروض الفنية تميزت مؤسسة بيسمنت كونها تضم صالة عرض، وقد احتضنت، على مدى العام، عدداً من المعارض التشكيلية والعروض السينمائية والأعمال الموسيقية. كما شهدت مراكز بعض المحافظات أنشطة ثقافية، لكنها لم تكن منتظمة، خاصة مدينة تعز.
التشكيل
في الفن التشكيلي شهدت البلاد عدداً من المعارض الفردية والمشتركة، ومن أبرز المعارض الفردية التي شهدتها صنعاء، التي نظمتها مؤسسة بيسمنت، كمعرض الفنانة ليلي ياسين بعنوان «ترابط» خلال يوليو/تموز. ومن أبرز المعارض المشتركة، معرض 49 التشكيلي لطلاب الجرافيكس في جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء خلال إبريل/نيسان، فيما شهدت مدينة تعز (جنوب غرب) معرضاً مشتركاً «كلنا هاشم علي» لعددٍ كبيرٍ من الفنانين اليمنيين والعرب شاركوا بأعمال للبيع، إسهاماً منهم في توفير مبلغ لشراء منزل لعائلة أحد أبرز رواد الفن التشكيلي اليمنيّ الراحل هاشم علي، خلال مايو/ أيار.
كما شهدت القاهرة ثلاثة معارض تشكيلية يمنية ممثلة في: معرض قافلة الفن التشكيلي اليمنيّ، الذي استضافته قاعة جاليوليو آرت خلال أغسطس/آب، معرض للتشكيلي محمد سبأ في دار الأوبرا المصرية خلال سبتمبر/أيلول، وآخر للتشكيلي وسام العنسي في المركز الثقافي المصري للتعاون الدولي خلالنوفمبر/ تشرين الثاني.
المسرح والسينما
مسرحياً تواصلت جهود الشباب في إنتاج أعمال محدودة في مدينة عدن ليبرز الحدث المسرحي الأهم يمنياً خلال العام، ممثلاً في «أرض بلا ياسمين»، وهو أول عرض مسرحي عربي في لندن لرواية يمنية، إذ هو مستوحى من رواية «أرض بلا سماء» للكاتب وجدي الأهدل، الذي قُدِم خلال الفترة 4- 6 إبريل على خشبة مسرح (مركز باترسي للفنون) في لندن للمخرج الفلسطيني مؤمن سويطات، الذي نجح مع فريقه من الممثلين والمساعدين، في تقديم العرض وإيصال رسالته في مرحلة صعبة يعيشها اليمن تحت نير الحرب، وهي تجربة نجحت، أيضاً، في تجاوز إشكالات الترجمة بين لغتين والتحول بين فنين.. فكان النجاح الذي عبّر عنه العدد الكبير من مشاهدي العرض.
إلى ذلك لم يشهد شهر ديسمبر/كانون الأول انطلاق الدورة الثانية للمهرجان الوطني للمسرح، التي اختيرت لتنظيمها، مدينة المُكلا، كما لم يتم الإعلان عن الأسباب التي أدت إلى تأخر تنظيمها عن موعد الدورة الأولى، التي شهدتها مدينة عدن.
سينمائياً تواصلت خلال عام 2019 عروض فيلم «عشرة أيام قبل الزفة» في المهرجانات الدولية، وهو الفيلم الذي أُنتج عام 2018، في ما كانت اليمن محور الدورة العاشرة لمهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان في عمان الأردن، خلال ديسمبر. كما شهد عام 2019 الإعلان عن إنتاج أول فيلم كوميدي يمنيّ مصري مشترك، وهو فيلم «هزاع في الدقي» للمخرج اليمنيّ بكيل شماخ، الذي تُصور أحداثه في منطقة الدقي في القاهرة، وهو فيلم مستوحى مما يواجهه آلاف اليمنيين المقيمين في مصر.
غنائياً شهد عام 2019 هجرة عددٍ من أصوات الأغنية اليمنية الشباب إلى الخليج، ممثلين في الفنانين: صلاح الأخفش وحسين مُحب وحمود السمه الذين اضطرتهم الظروف الراهنة لبلادهم إلى البحث عن ملاذات ملائمة لمواهبهم، معتبرين الخليج أفضل منبر يستطيعون من خلاله الوصول إلى أوسع جمهور، علاوة على ما يتيحه لهم من إمكانات إنتاج تمكنهم من اختبار وتطوير قدراتهم الغنائية.
جوائز
على صعيد الجوائز الأدبية العربية فازت رواية «وحي» للكاتب اليمنيّ حبيب سروري بجائزة كتارا للرواية العربية (فئة الرواية المنشورة). كما فازت رواية «حصن الزيدي» للكاتب اليمنيّ مُحمَد الغربي عمران بالمركز الثاني في جائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع في عجمان (فئة الرواية). وكانت رواية «نبراس قمر» لسمير عبد الفتاح قد وصلت للقائمة القصيرة المتنافسة على الجائزة نفسها.
وخلال مشاركته في عددٍ من المهرجانات حصد فيلم «10 أيام قبل الزفة» عدداً من الجوائز، منها جائزة لجنة التحكيم في مهرجان أسوان الدولي السينمائي لأفلام المرأة خلال فبراير/شباط، كما فاز الفيلم اليمنيّ الأردني الوثائقي «عاصم» للمخرجة الأردنية نسرين الصبيحي بعددٍ من الجوائز، منها جائزة العلم والتعلم في مهرجان أفلام غرب أوروبا الدولي في بروكسل أغسطس، وهو الفيلم الذي تناول مظاهر الآثار الإنسانية للحرب في منطقة أسلم اليمنيّة في محافظة الضالع (جنوب).
أعلام رحلوا
يودع اليمنيون عام 2019 وقد رحل عنهم عددٌ من أعلام الثقافة والإعلام؛ ففي شهر يناير/كانون الثاني رحل أحد رواد التشكيل اليمنيّ الفنان عبد الجبار نعمان ووزير الإعلام الأسبق أحمد قاسم دهمش والإعلامي المخضرم عبد الرحمن مطهر، وفي مايو رحل الشاعر فريد بركات، وفي سبتمبر رحل الفنان هود العيدروس والشاعر يحيى عوض والإعلامي البارز أحمد الذهباني، وفي أكتوبر رحل الفنان عبدالكريم توفيق، وفي ديسمبر رحل الشاعر الغنائي البارز عبدالله هاشم الكبسي.
نقلا عن القدس العربي