هل سيختفي التفاح الأحمر قريبا من الأسواق بسبب التغير المناخي؟

يستمتع الكثيرون على مدار أجيال بتناول ثمار التفاح الأحمر، بيد أن ارتفاع درجات الحرارة قد يشكل تهديدا على هذه الثمار. يمن مونيتور/ بي بي سي
يستمتع الكثيرون على مدار أجيال بتناول ثمار التفاح الأحمر، بيد أن ارتفاع درجات الحرارة قد يشكل تهديدا على هذه الثمار.
ويعد النوع الأصلي للتفاح، الذي لا يختلف عليه اثنان، هو ذلك النوع الأحمر، وإن كان يوجد في متاجر البقالة النوع الأصفر أو الأخضر، كما توجد أنواع أخرى في بعض الأماكن، وقد ترى أنواعا مختلفة مخططة أو مرقطة بكثير من الأشكال مثل تفاح “كوكس بيبين البرتقالي”، الذي يشتهر في الأسواق البريطانية.
لكن النوع الأحمر، أو أحيانا تفاح “جراني سميث” النقي شديد الاخضرار، يمثل اللون المعتاد الدال على التفاح في معظم كتب الحروف الهجائية، وتحتوي القصة على الكثير من التفاصيل المثيرة نظرا لأن التفاح ليس دائما أحادي اللون على نحو قاطع.
كانت السلالات القديمة للتفاح الحديث أشجارا برية تنمو فيما يعرف حاليا بكازاخستان، على السفوح الغربية للجبال التي تحد غرب الصين، ولا تزال أشجار التفاح البري تنمو هناك حتى الآن، وتعطر الجو برائحة الفاكهة المتساقطة على الأرض والتي تتغذى عليها الدببة التي تقطع الأشجار، على الرغم من تراجع أعداد أشجار التفاح البري بنسبة 90 في المئة خلال الخمسين سنة الأخيرة بسبب التنمية البشرية، فأصبحت تواجه مستقبلا غامضا.
وتتنوع فاكهة التفاح من الأصفر الشاحب إلى الأحمر الداكن والأخضر الربيعي، بيد أن النوع الأحمر ليس طاغيا بشكل عام أكثر من الألوان الأخرى. (ويفيد الرحالة العاشق للتفاح بيك لوي بأن هناك مفارقة تتمثل في أن بستانا تجاريا كازاخيا، مثل البساتين الموجودة في أماكن أخرى حول العالم، يزرع تفاحا من نوع “ديليشاس الأحمر” و”ديليشاس الذهبي”، وهي أنواع تفاح أمريكية الأصل).
وتوصل العلماء إلى أن ألوان التفاح تعتمد على وجود صيغة لجينات معينة في القشرة.
ويفسر ديفيد تشاغني، عالم الجينات في مؤسسة أبحاث النباتات والغذاء في نيوزيلندا، قائلا إن مجموعات من الأنزيمات تعمل مع بعضها البعض لتحويل جزيئات معينة إلى صبغات تعرف باسم الأنثوسيانين، وهي نفس فئة المواد التي تعطي البطاطا الحلوة الأرجوانية والعنب والبرقوق ألوانها.
ويتحكم في مستويات هذه الأنزيمات عامل استنساخ، عبارة عن بروتين ينظم حجم وكمية الجينات التي تنسخ ويعرف باسم “أم واي بي 10″، وكلما ازداد مقداره، ازداد احمرار القشرة عموما.
وخلصت دراسة إلى أن التفاح المزركش بخطوط حمراء، كانت مستويات “أم واي بي 10” أعلى في الأجزاء المخططة من القشرة.
عندما ترتفع درجات الحرارة، فإن التغيرات الكيماوية داخل التفاحة تقلل من احتمال تحول القشر إلى اللون الأحمر
والغريب أن لون التفاح يعتمد أيضا على درجة الحرارة، فمن أجل الحصول على ثمرة تفاح حمراء بشكل كامل، ينبغي أن تظل درجة الحرارة منخفضة كما يقول تشاغني، لأنه إذا ارتفعت درجات الحرارة إلى ما فوق 40 درجة مئوية (104 فهرنهيت)، فإن مستويات “أم واي بي 10” والأنثوسيانين تتعارض.
وقد وجد تشانغي وزملاؤه في منطقة البرينيه الإسبانية، أن الخطوط التي تكون في العادة حمراء بوضوح كانت شاحبة بشكل كامل بعد شهر يوليو/تموز مرتفع الحرارة، ويرى أنه كلما ارتفعت درجات الحرارة يصبح تحول التفاح إلى اللون الأحمر أكثر صعوبة على الأرجح.
وعلى الرغم من ذلك يسعى تشانغي وزملاؤه إلى زراعة تفاح أحمر كامل الاحمرار لتسويقه في السوق الآسيوية، التي تحظى فيها ثمار التفاح الحمراء بشعبية، بالاستعانة بخبرتهم بالمسائل البيولوجية التي يعتمد عليها تحديد اللون.
ويمكن التصدي للتهديد الذي يشكله المناخ على التفاح الأحمر من خلال إصرارنا الكامل على إنبات هذا النوع من التفاح، حتى لو كلف ذلك برامج استنبات عالية التكلفة، وحتى قبل أن نتعرف على دور الجينات، كلف التفاح الملون البشر مجهودا كبيرا.
استطاع جون بانكر، أحد مزارعي وتجار التفاح المقيم في باليرمو بولاية ماين، إنقاذ العديد من السلالات المنسية من خطر الاندثار، من بينها سلالة التفاح التي جرت العادة على زراعتها قبل قرن أو يزيد قبل أن تصبح البستنة مركزة على زراعة نوع تفاح الديليشاس، بما في ذلك نوع “بلاك أكسفورد”، وهي ثمرة تفاح داكنة الحمرة لدرجة أنه يمكن أن تحسبها بالخطأ ثمرة برقوق كبيرة قبل أن ترى بياض لبها الناصع.
ويقول بانكر: “تعد الألوان ظواهر استثنائية. وأعتقد أنه بالنسبة لبعض الناس بمن فيهم أنا، كان ذلك هو سبب الانجذاب الأصلي”.
وربما لم يكن اللون هو السائد على المظاهر الأخرى للتفاحة عندما كان المزارعون يقيّمون شجرة جديدة، إذ كانوا يركزون على طعم التفاحة واستخدامها بدلا من التركيز على لونها، فبعض التفاح جيد لصناعة الخل، وبعضه يناسب صناعة الفطائر، وبعضه لصناعة الصلصة، والبعض الآخر للأكل.
ولم يكن من المهم كثيرا شكل الثمرة أو ما إذا كانت تبدو متشابهة من شجرة إلى أخرى، لأن المزارعين كانوا ينتجون الثمار لأنفسهم ولأسواقهم المحلية، والذي كان يهمهم في الأمر هو الغرض من وراء شراء التفاح أكثر من شكل الثمار.
تنحدر كثير من أنواع التفاح المختلفة التي نستمتع بها اليوم تأتي من ريف كازاخستان
ويقول بانكر إن كل ذلك تغير قبل نحو مائة عام، ويضيف: “لا توجد قيمة كبيرة للتماثل والاتساق في ثقافة بساتين الزراعة المتنوعة الصغيرة والاقتصادات الزراعية الصغيرة”.
بيد أن اللون يصبح نوعا من العلامة التجارية، لاسيما في حالة زراعة تفاح يبعد عن المستهلك الذي يشتريه مسافة آلاف الأميال، إذ تكون فحوى ما تشير إليه هذه العلامة التجارية هي أن المنتج “يلبي توقعاتك”، وفي نظاق نظام سلعي كهذا، يكتسب التماثل والاتساق قيمة أكبر، في ذات الوقت يجني المزارعون ثمار التفاح قبل أن تنضج تماما لأغراض الشحن لمسافات طويلة دون أن تتعفن.
ويشير بانكر إلى أن ثمة مشكلة تتمثل في أن “اللون علامة على النضج”، فالتفاح الذي يجمعه المزارعون مبكرا لا يحمل اللون الصحيح، من هنا برزت أهمية وجود تفاح معدّل يحمل اللون الأحمر المشبع قبل أن ينضج، وسمي هذا النوع من التفاح “ديليشاس الأحمر”، وبدأ طرحه عام 1921 تجاريا للمزارعين.
وتعد أنواع التفاح الأخرى، كتلك التي تتميز بلون منتظم موحد، لاسيما إذا ظهرت هذه الألوان قبل أن تنضج التفاحة بشكل كامل، أنواعا جيدة للتجارة.
لقد بدأ تراجع بعض الأنواع التي كان ينتجها المزارعون، ولم يعد لبعض هذه الأنواع ذلك المذاق اللذيذ، إذ أصبح التركيز ينصب على الشكل على نحو لا يشجع على زراعة أنواع بسبب مذاقها.
ويقول ديفيد بيدفورد، خبير استزراع سلالات التفاح في جامعة مينيسوتا، إنه نشأ على تناول التفاح من نوع “ديليشاس الأحمر”، وبناء عليه فهو ليس مغرما بالتفاح، مما دفعه إلى محاولة استزراع نوعية أخرى في الكلية للإشارة إلى إمكانية زراعة أنواع أخرى من التفاح.
واستطاع بيدفورد وزملاؤه زراعة نوع “هاني كريسب”، الذي حقق نجاحا كبيرا عند طرحه في الأسواق قبل عدة سنوات ويتميز بمذاقه الحلو وقرمشته، فضلا عن كون الثمرة موشاة بالخطوط الحمراء والصفراء بطريقة جميلة.
وعلى الرغم من زراعة تفاح يختلف عن نوع “ديليشاس الأحمر”، إلا أن الرغبة لاتزال كبيرة في الحصول على التفاح الأحمر، وهو ما دفع إلى مساعي إدخال تعديلات على نوع “هاني كريسب” ليصبح أكثر حمرة.
ويقول بيدفورد: “يحدث ذلك لكل ثمرة تفاح في السوق. تلك هي فقط طبيعة رغبتنا في أن يكون لدينا تفاح بالطريقة التي نرغب فيها من ناحية الشكل. ومنذ أن بدأ البشر في إدخال تعديلات يرغبونها على التفاح، فإن جوهر هذه التعديلات كان دائما أن يكون التفاح أكثر حمرة مقارنة بالماضي.”
وربما لا يكون التفاح الأكثر حمرة أفضل من التفاح الأصفر، بل ربما يكون في الحقيقة أسوأ، لكن كما يقول بيدفورد: “الأحمر يحظى بإقبال المشترين أكثر من غيره، تلك هي المشكلة”.
وفي مسعى لإجراء تعديلات على زراعة التفاح في المستقبل، طرحت جامعة مينيسوتا نوعا من التفاح، لا يتيح لمزارعي التفاح اختيار التفاح الأكثر حمرة.
وقد يدفع هذا التنوع الكبير للألوان المتاحة، والتعرف على خطورة الانفصام بين الطعم الحقيقي والاندفاع الدائم نحو اللون الأحمر للتفاح، إلى الرغبة في أن يأتي زمن أفضل من زمننا الراهن لمحبي التفاح.
 
هل تنتصر طبيعة التفاح الحقيقية على الرغبة الجامحة في البحث عن اللون الأحمر فقط؟ يقول التاريخ إنها ستكون معركة صعبة، لكن كل ما يمكننا فعله هو ألا نفقد الأمل وأن نبقى نحلم في حدوث هذا التغيير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى