الله.. الوطن.. البنك!
حسن عبدالوارث
كان أجدادنا يصنعون الآلهة بأيديهم . وكانوا ينتقون أطيب أنواع التمور يصنعونها منها . فاذا ملُّوا من عبادتها، أو تعبوا، فجاعوا.. أكلوها هنيئاً مريئاً.
أحتاجُ إلى فُسحةٍ من التبصُّر الذاتي، أو قَدْرٍ من السلام الروحي، لتبيان الفرق بين الوطن والوثن. فقد تشابه الوطن عليَّ (أَمْ تُراه تشابه الوثن!) حتى بات الأمر ضرباً من الهُلام المتداخل بين قرص الشمس المجوسية وروث البقرة الهندوسية، يسقط هذا في نتن ذاك، أو ينأى هذا في الوعي ليصبح في هيئة ذاك في الوجدان!
…
كان أجدادنا يصنعون الآلهة بأيديهم . وكانوا ينتقون أطيب أنواع التمور يصنعونها منها . فاذا ملُّوا من عبادتها، أو تعبوا، فجاعوا.. أكلوها هنيئاً مريئاً.
لم تكن آلهة أجدادنا ترتقي إلى مصاف الوطن. ولكن وطننا يرتقي الى مصاف الآلهة. وبرغم ذلك فأننا نأكله ، جُعْنا أَمْ لم نَجُعْ. فالوطن وجبة شهية جداً في كل الأحوال. من تمرٍ كان أمْ من خمر. من عسلٍ وسمنٍ ولبن أم من بنكنوت.
وإذا صرختَ مُستنكراً هذي الوليمة اللئيمة: لستُ من أهلها، فاعفوني منها.. ولا من طُلاَّبها، فانأوا بي عنها.. أتّهموك بالمروق اللعين، وأقاموا عليك حدَّ الخيانة العظمى!
…
أحتاجُ الى هُدنةٍ مع النفس ، لأتصالح معها . فمن لم يتصالح مع نفسه، لا يمكنه أن يتصالح مع وطنه، ولا مع اِلهه.
وقد اختلطت ملامح النفس بالوطن وبالإله لدى كثيرين، فوضعوا الوطن في جيوبهم، ووضعوا الاِله في عمائمهم.. ومن لم تكن لديه عمامة، وضعه في رَنَّة موبايله!
…
كانوا -وهم صغار- يدخلون إلى بيوت الله ليسرقون الأحذية..
بعد أن كبروا، صاروا يدخلونها ليسرقون الألباب والأفئدة بكلامٍ ليس من روح الله، بل من روح جنِّي المصرف.
وكانوا يدخلون -وهم صغار أيضاً -إلى صفوف الدراسة ليتهجُّون مفردة الوطن حرفاً حرفا.. صاروا اليوم يتهجُّونها صرفاً صرفا. وكلما زادت حماستهم الوطنية في العلن، زادت أرصدتهم المصرفية في السرّ.
.
.
.
نحن لنا الله وبعض الوطن..
وهم لهم البنك المركزي..
وما بين الثلاثة ، للأسف الشديد.. دائماً يربح الأخير!
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.