مع أن معظم تلك الشعارات جوفاء من القيم، تهلل لنزعات طائفية ونغذي كثيرا من العصبيات، تفرق أكثر مما توحد، تمزق أكثر مما تلم، وتدمر أكثر مما تبني، وجدت لقهر الآخر والانتقام منه لا غير.
قد نختلف في شعارتنا، ومع اختلاف الشعارات سنجد أننا نتفق على كثير من القيم، نتفق على المواطنة والحرية والعدالة، على الكرامة والسيادة.
وعندما نجلس نتحاور لنتوافق على شئون الوطن والامة، لا نرى غير شعارات رنانة ترفع برهان أصنام تصنع، وتمسك عنيد بتلك الشعارات، التي تتحول لأدوات ضغط ولي وكسر لذراع وإرادة الآخر.
مع أن معظم تلك الشعارات جوفاء من القيم، تهلل لنزعات طائفية ونغذي كثيرا من العصبيات، تفرق أكثر مما توحد، تمزق أكثر مما تلم، وتدمر أكثر مما تبني، وجدت لقهر الآخر والانتقام منه لا غير.
نختلف كثيرا عن (الوحدة والانفصال) كجغرافيا، وهما حق مكفول يجسد قيم، فلا قيمة لوحدة لا تحقق قيم الكرامة، ولا قيمة ايضا لانفصال لا يحقق تلك القيم، إذا روح الاختلاف هنا ليس في الوحدة أو في الانفصال، كقيمتين وطنيتين يمكن أن تحققان قيم انسانية و وطنية، بل في منظومة ادارتهما التي تعجز في ترسيخ القيم الوطنية والانسانية، في السلوك والثقافة كمؤشر أمل أو احباط.
لا معنى لشعار لا يستمد روحة من قيم الحضارة والتاريخ ويعزز الهوية (الحضارة العربية والاسلامية والقومية)، ليسخر كل امكانيات الامة وسبلها ووسائلها اللازمة لتمكين الإنسان من تذليل صعاب حياته ونهضته وتقدمه.
اليوم نتنازع على شعارات دون مراعاة للقيم، بل ندمر القيم في ممارساتنا وثقافتنا على الواقع، عندما كنا جغرافيتين، كنا شعب واحد وسلطتين، وتوحدنا في جغرافيا واحدة، وعجزنا على توحيد السلطة، فإذا بمنظومة فشلت بتحقيق قيم الوحدة، وصبر الناس على أمل إصلاح المنظومة السياسية لتعيد للوحدة قيمها النبيلة، صبرا من جوره اهتزت فيه بعض النفوس الهشة، وصمدت النفوس الصلبة، وعندما تفجرت ثورة لتستعيد مسار الوحدة، تصادمت تلك النفوس، هي اليوم مشكلة في طريق الثورة الشعبية لإصلاح ما خربته تلك المنظومة، مشكلة في توافق لمسار تحول يرسخ قيم الكرامة والمواطنة والعدالة، ويرفع شعارات القطيعة وهو يفرغ الواقع من تلك القيم التي يتطلع اليها الناس.
الناس اليوم تريد وطن ضاربه بكل الشعارات المفرغة من قيم المواطنة والحرية والعدالة لعرض الحائط، لا تريد أرض متنازع عليها، لتكن هي ضحايا هذا النزاع ولا تريد أصناما تُعبد، وهي تفقد كل يوم فيها الحياة والكرامة، نزاع أوجد فراغاً قيمياً واخلاقياً وتنظيمياً وقانونياً، أتاح فرصة لأسوأ القوم يتحكم بمصير الامة، وجعل من العنف وسيلة للحسم والاخضاع، فنشط الشياطين لتربي لنا ثعابين، تصطاد أخيارنا وتنهش كرامة الوطن وأعراض الانسان دون وازع انساني وديني وقيمي.
المطلوب اليوم، توافقات وطنية بوعي وايمان بقيم الحرية والمواطنة والعدالة، قيم يجتمع كل الناس حولها بحسن النوايا، لتكن تلك القيم ميزان حفظ الوطن، وما تمثله من اجندات وطنية تستوعب الجميع , وترفض الاستبعاد والاقصاء والتهميش، وترسخ القيم واقعا لا شعارا.
القيم هي النبل والسمو، هي الانضباط بنظام وقانون ودستور، انضباط الخروج عنه جريمة تعرض للعقاب، في واقع كهذا ستجد نسبة العدل تتصاعد لتنصف الناس، وترسخ قوة الحق لا حق القوة والعنف.
لنخرج من دائرة العنف والانتقام، وقهر الآخر والتمترس خلف شعارات ورايات تنتج مشكلات وأزمات، وبين أيدينا قيم ومبادئ الحق بائنة، الاستنارة بها ستوفر عنا مشوار طويل من العنف والقهر المثقل بحجم التراكمات المعيق للنهضة والتطور واللحاق بالعصر لنكن امة محترمة كسائر الامم.