من أبرز من يمثل مدرسة بغداد بشر بن المعتمر وأبو موسى المردار وأحمد بن أبي داوود وثمامة بن الأشرس وجعفر بن حرب وجعفر بن مبشر والإسكافي وعيسى بن الهيثم الخياط وأبو القاسم الكعبي.
اشتهرت المعتزلة بمنهجها المفتوح ومناخها الحر في التفكير والاجتهاد الذي سمح بتعدد الآراء في المسائل والاختلاف في كثير من التفاصيل مع الاتفاق على الأصول الخمسة الرئيسية التي تجمعهم، التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويمكنها اختزالها في الأصلين الأولين والبقية داخلة فيهما.
ولانفتاح سقف الحرية الفكرية في هذه المدرسة العقلية فقد تنوعت المدراس بداخلها حتى صار لكل شيخ من شيوخها مدرسته التي لقيت أنصارا، فكانت أكثر من عشرين مدرسة داخل المدرستين الكبيرتين، مدرسة البصرة ومدرسة بغداد.
ومن أبرز من يمثل مدرسة البصرة واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وعثمان الطويل وأبو الهذيل العلاف وأبو بكر الأصم ومعمر بن عباد والنظام والشحام والجاحظ وأبو علي الجبائي وأبو هاشم الجبائي.
ومن أبرز من يمثل مدرسة بغداد بشر بن المعتمر وأبو موسى المردار وأحمد بن أبي داوود وثمامة بن الأشرس وجعفر بن حرب وجعفر بن مبشر والإسكافي وعيسى بن الهيثم الخياط وأبو القاسم الكعبي.
وقد كنت أتساءل باستمرار لماذا اشتغل المعتزلة على العقائد ولم يشتغلوا كثيرا على الأحكام؟ فقلت ربما لم يصلنا اجتهادهم في الأحكام وإلا فمدرسة تجتهد في الفقه الأكبر سيكون من باب الأولى أن تجتهد في الفقه الأصغر أي الأحكام، ولكن تراث المعتزلة لم يصلنا كاملا، فلم يصلنا كل المدون الذي كتبوه، ولم يدون كل ما قالوه واجتهدوه، وإنما وصلنا قليلا من كتبهم ومما كتبه خصومهم ممن ناقشوهم في بعض المسائل، ومن يتتبع ما يسمونه شذوذات أبي بكر الأصم وإبراهيم بن علية المعتزليين يدرك أن وراء هذه الاجتهادات التي خالفت الفقهاء اجتهاد أصولي يخالف مدارس الأصول التي اشتهرت، أو بالأصح يخالف المنهج الأصولي للشافعي والذي ساد في كل المدارس الفقهية عدا اختلاف مع الأحناف الذين تبقى عندهم بعض آثار المعتزلة الأصولي.
قبل مدة كنت قد عزمت على تتبع آراء المعتزلة في القضايا الأصولية، فوجدت مسائل قليلة نسبت لآحآدهم تعبر أولا عن روح الاجتهاد الأصولي عندهم، وتعبر أيضا عن مدى اهتمامهم بطرح تصور متسق عن الدين.
في بعض هذه المسائل يمكن أن نجد ضالتنا في تجديد الاصول اليوم، كما أنها ستساعدنا في تفسير العقل المسلم في القرنين الأولين، العقل الذي يطرح قضايا أصولية على بساط النقد والاجتهاد ولم يكن اختلافهم الفقهي إلا نتيجة اختلافهم الأصولي.
وسأحاول في هذا الملخص السريع أن أمر على أهم الآراء الأصولية للمعتزلة مع نسبة كل رأي إلى القائل به، لننظر ما الذي خسرناه باندثار تراث هذه الفرقة، وانتصار الفرق التي جاءت بعدها.
ليس المقام مقام تحليل لكل مسألة من المسائل التي سأذكرها، وإنما مقام كشف زاوية جديدة عند هذه الفرقة، وربما وجدت هذه المسائل طريقة لتفعليها ونقدها وفلسفتها ووضعها في إطار متسق في التجديد الأصولي.
ومن المسائل التي شدت انتباهي هذه المسائل:
يرى المعتزلة أن العقول لا يجوز أن تتفاوت بأصل الفطرة، وإنما تتفاوت بالعوارض، وهذا لا يعتد به، ويقول مخالفوهم أن العقول تتفاوت بأصل الخلقة بدليل أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، وأن عقل المرأة ناقصا كما جاءت به الرواية، وهذا يعني أن للمعتزلة قول مختلف في هذين الدليلين، تأويل للأول ورد للثاني.
يرى المعتزلة أن العقل يدرك الحسن والقبح في الأشياء ومن ثم يترتب على الثواب والعقاب حتى ولو لم يصلهم الشرع، بينما يرى مخالفوهم أن الثواب والعقاب موقوفان على ورود الشرع.
يرى أبو علي بن خلاد أن التعبد بالتأسي برسول الله إنما يكون في العبادات فقط، لأن ما سوى العبادات يكون له فيها مصلحة من دوننا، فلا يجب علينا التأسي به فيها، أو بلغة أخرى أنها ضمن مقام الاجتهاد لا الوحي فكانت غير ملزمة، ويرى مخالفوه أن التعبد في كل أفعاله إلا ما خص به فقط.
يرى أبو علي الجبائي أن الخبر لا يقبل إذا كان راويه واحداً، إما إذا رواه اثنان عدلان عن اثنين، فإنه يقبل.
يرى النظام أن الإجماع ليس حجة شرعية متبعة، لجواز وقوع الخطأ من الأمة، ومن يجوز عليهم وقوع الخطأ لا يكون إجماعهم حجة.
يرى عبدالله البصري أنه لا يجوز إثبات الإجماع بخبر الواحد، بحجة أن الإجماع أصل مقطوع به، وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن، فلا يجوز إثبات القطعي بالظني، بينما قال غيره أنه يجوز إثبات الإجماع بخبر الواحد، ويكون حينئذ ظنا يجب العمل به، لأنه إذا ثبت وجوب العمل بخبر الواحد فلا فرق بين أن يرد بحصول إجماع يتضمن حكما من الأحكام، وبين أن يرد بحصول قول من جهة الرسول عليه السلام يفيد حكما، من حيث وجوب الأخذ بذلك الحكم ووجوب العمل بمقتضى هذا الخبر.
يرى النظام وبعض المعتزلة البغداديين أن القياس ليس حجة شرعية، بدليل أن الشارع فرق بين المتفقين وجمع بين المفرقين، وهذه طريقة يمتنع القياس فيها.
يرى أبو الهذيل العلاف أن القياس لا يسمى دينا، بحجة أن اسم الدين لا يقع إلا على ما هو ثابت مستمر، وكيف يسمى القياس دينا وهو من فعل القائس؟
ويرى غيره أن القياس من الدين لورود الأمر الشرعي بالتعبد به، وانعقاد الإجماع في الجملة على العمل بمقتضاه، وكل ما كان مأمورا به شرعا ومجمعا عليه من قبل الأمة فهو من الدين.
يرى أبو هاشم أنه لا يجوز إثبات الحكم في شيء بالقياس إلا وقد ورد النص بإثباته فيه على الجملة، فيكون القياس دالا على تفصيل الحكم، فلو لم يكن إرث الأخ ثابتا في الجملة، لما جاز إثبات إرثه مع الجد بالقياس. ويرى غيره جواز القياس على الأصل وإن لم ينص على القياس عليه، وذلك لعمل الصحاب القياس في مسائل لم يكن عليه نص في الجملة.
يرى أبو مسلم الأصبهاني أنه لا يحسن نسخ الشرائع شرعا، بحجة أنه يفضي إلى البداء وهو الجهل.
يرى بعض المعتزلة عدم جواز نسخ التلاوة دون الحكم وكذلك عدم جواز نسخ الحكم دون التلاوة.
يرى أبو علي وأبو هاشم أن النبي عليه السلام لم يكن متعبدا بالاجتهاد في شيء من الشرعيات، لأن الله تعالى نفى عن رسوله أن ينطق بالهوى، فكان ما ينطق به وحيا منزلا، ويرى غيرهم جواز تعبد النبي بالاجتهاد فيما لم يرد فيه نص، لأنه إن كان المانعون من ذلك قد منعوه خشية أن يجتهد فيخطئ، فليس الخطأ في الاجتهاد من الخطأ الذي يتنزه عنه منصب النبوة حتى يقال بعدم جواز تعبده بذلك.
يرى بشر المريسي وكثير من معتزلة بغداد أن المخطئ في اجتهاده آثم،، وذلك لأن الحق ممكن التدارك، إذ نصب الله عليه دليلا يعرف به فمن أخطأ فليس بمعذور. بينما يرى الآخرون أن الإثم مرفوع عن المجتهد المخطئ إذا اجتهد في أحكام الفروع التي عليها دليل قاطع، وأنه مأجور على اجتهاده لما بذله من جهد واستفراغ وسع.
يرى المعتزلة البغداديون أنه لا يجوز للعامي تقليد المجتهد في فروع الشريعة بل يجب عليه النظر وطلب الدليل، لأن العامي لا يأمن أن يكون من قلده لم ينصح في الاجتهاد فيكون فاعلا لمفسدة.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.