نازحو الجوف اليمنية .. قصة الهروب من الموت إلى الموت
ساعتان ونصف الساعة تقريباً، هي المدة الزمنية التي يحتاجها المرء القادم من مدينة مأرب، مركز المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، للوصول إلى مناطق النزوح الصحراوية شرقاً. يمن مونيتور/ خاص
ساعتان ونصف الساعة تقريباً، هي المدة الزمنية التي يحتاجها المرء القادم من مدينة مأرب، مركز المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، للوصول إلى مناطق النزوح الصحراوية شرقاً.
نحو 100 كيلو متراً قطعناها برفقة فريق إعلامي بهدف زيارة مناطق تقع شرق مأرب، لجأ إليها مواطنون قادمون من جارتها الشمالية، محافظة “الجوف”، بعد أن سيطر الحوثيون على محافظتهم.
وسط الصحراء التي تكتسي حلة من العشب الأخضر، نصبت عشرات الأسر النازحة خيامها، خصصت إحداها لاستقبال الضيوف، فيها تناولنا وجبة الغداء، واسترحنا وقت الظهيرة، وتبادلنا الأحاديث بشأن ما يلاقونه جراء رحلة النزوح الاجبارية”.
أمل العودة يرافق النازحين
“بإذن الله نرجع لمنازلنا قريباً.. ادّوني (أعطوني) عشرة أيام فقط”، هكذا كان الحاج “مسفر شافعة” يقول لرجال القبيلة وهم يتحلّقون أمامه في أحد الخيام التي شيدوها في قلب صحراء مأرب، بعد أن هجرهم الحوثيون من منازلهم في محافظة “الجوف” شمالي اليمن.
“مسفر” ذو السبعين خريفاً، ما يزال يتقد حماساً لخوض المزيد من الحروب ضد الحوثي، ويتحدث بفخر عن كونه وأبنائه ضمن المنخرطين في صفوف المقاومة الشعبية التي تستعد لخوض معركة تحرير “الجوف”، مرجعاً سبب سقوطها بيد الحوثي إلى ما اسماها “خيانات” وسوء إدارة للدعم الذي يتلقونه من التحالف، وليس بفضل قوة الحوثي.
رحلة نزوح اجبارية
يروي القصة كاملة لمراسل “يمن مونيتور”، “في الخامس والعشرين من شهر شعبان غادرنا نحن الرجال منطقة “الساعد” التابعة لمديرية “الحزم” مركز المحافظة، واستقر بنا الحال في منطقة “منقذة” شرق مأرب، بعدها ارسلنا سيارات لنقل عائلاتنا وابنائنا، تاركين مزارعنا ومنازلنا، لأننا ندرك أننا مستهدفون من قبل الحوثي، لذا فضلنا المغادرة”. يقول مسفر.
ويتابع، “الساعد منطقة زراعية، وبها نحو 120 ماكينة لاستخراج المياه وسقي الزراعة، وكانت تشتهر بزراعة “الحبحب”، البطيخ، وكانوا يسمونه في صنعاء بـ”البطيخ السعدي” نسبة إلى منطقة الساعد. الآن باتت أثراً بعد عين، ويبست الأشجار وتدمرت المزارع”.
ورغم هذا، يرى “مسفر” أن العودة ستكون قريباً، وأن الحال الذي هم عليه الآن لن يدم طويلاً، وستحسم المعركة مع الحوثي لأن الجوف غالباً مناطق مفتوحة، فيما يسعى الحوثي إلى التمركز في المرتفعات الجبلية غربي الجوف باتجاه حرف سفيان والمناطق المحاذية لصعدة، معقل الحوثيين.
الأطفال يحاكون العنف
لفت نظري طفل في العاشرة من عمره كان يجلس إلى جوارنا، يُدعى “جميل شافعة” ينتمي إلى ذات الأسرة، ترك مدرسته وبات يعيش في مناطق اللجوء وسط الصحراء، يتحدث بلهجة حادة رغم صغر سنه، ويصف الحوثي بـ”المجرم”.
“أتمنى امتلاك “بندق” كلاشينكوف، حتى أقاتل الحوثي الذي استحل منازلنا وفجر مساجدنا”، يتحدث “جميل” بلهجة عامية.
يتدخل رجل آخر كان يجلس أمامنا قائلاً، “أولادنا يصعدون الجبل ويتراشقون بالحجارة، في محاكاة واضحة للعنف الدائر في البلاد”، يضيف، “اسمع عيالنا (أولادنا) يتحدثون عن “البازروكة” يعني “الآر بي جيه”، نتيجة حديث الكبار في غالب أوقاتهم بشأن السلاح وأنواعه.
الحوثي قضى على التعايش بين اليمنيين
جوار الحاج “مسفر” يجلس طفلان يتشابهان كثيراً في ملامحهما، وحين سألته عنهما أخبرني، “هذولاء (هؤلاء) أولادي، الحسن والحسين، وهما توأمان، وأردت من التسمية أن أوصل رسالة بأننا نحب آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الدين واحد والرسول واحد، عكس ما يروج له الحوثيون، الذين أوقدوا نار الطائفية والمذهبية بين اليمنيين، رغم أننا تعايشنا مئات السنين (شوافع، زيود)، مسجدنا واحد وسوقنا واحد، دون تفرقة فيما بيننا.
يتابع، “معظم القيادات الحوثية لصوص وقطاع طرق وقتلة، ونحن نعرفهم بالاسم والصفة، وأهل الجوف يعرفونهم جيداً”.
الهروب من الموت إلى الموت
في المجلس، يتداول الرجال حديثاً ذا شجون عن حادثة مقتل اثنين من رجال القبيلة في غارة لطائرة أمريكية دون طيار، يؤكدون أنهما لا علاقة لهما بالقاعدة، وأن أحدهما يعمل موظفاً في شركة نفطية مرموقة.
“قائد عرفج بن مروان”، والد “صالح”، أحد ضحايا الغارة الأمريكية ينفي أن يكون لابنه علاقة بتنظيم القاعدة، فهو موظف في شركة “صافر” النفطية الحكومية، ومن أشد أعداء الجماعات المتشددة.
يضيف “قائد”، “هربنا من الموت على يد الحوثي في الجوف، لنلاقيه على يد الأمريكان في صحراء مأرب، انهما وجهان لعملة واحدة، هي القتل خارج القانون”.
في التفاصيل، يقول أحد أقارب الضحايا، “بعض زوجاتهم ما يزلن في غيبوبة منذ الحادثة التي وقعت قبل نحو أسبوعين، نتيجة الصدمة.. لقد أطلقت الطائرة الأمريكية صاروخاً باتجاه السيارة وهي قريبة على المخيم، أدى إلى احتراقها”.
يتابعون بألم، “لا يمكن تصوّر المشهد، السيارة تحترق بمن فيها، هرعن النساء بأباريق الماء في محاولة لإطفاء النار التي تشتعل في السيارة، فيما يتعالى صياح الأطفال والنساء الأخريات”.
لا يخلو حديث الأهالي من عتب يوجهونه تلويحاً إلى وسائل الإعلام التي لا تهتم بقضايا الناس، وإظهار الحقائق للرأي العام، إضافة إلى المساهمة في حشد الدعم للنازحين، والتخفيف من معاناتهم.
وكان مسلحو الحوثي سيطروا منتصف يونيو الماضي، مسنودين بقوات موالية للرئيس السابق “علي عبدالله صالح” على مديرية “الحزم” مركز محافظة “الجوف”، شمالي اليمن، وتمركزوا في مبنى المجمع الحكومي ومعسكر معين (اللواء 115 سابقاً)، بعد معارك عنيفة مع رجال المقاومة الشعبية استمرت لأيام.