القصف والجوع يطاردان نازحي تعز وسط اليمن
تتفحص وجوه 12 طفلاً تعولهم بحسرات من نّدم، عيش من نزّوح إلى نزوح، على وجهها الأسمر ترتسم معاناة إنسان بمرارة الحرب التي حولت حياتهم إلى “دوامة جهنمية”. يمن مونيتور/ تعز/ من وئام عبدالملك
تتفحص وجوه 12 طفلاً تعولهم بحسرات من نّدم، عيش من نزّوح إلى نزوح، على وجهها الأسمر ترتسم معاناة إنسان بمرارة الحرب التي حولت حياتهم إلى “دوامة جهنمية”.
“حياة خالد” تنظر لحيوات أطفالها القادمة بقلق، لا غذاء يكفي، ولا مياه صالحة للشرب، تشير بيدها السمراء إلى مكان أقصى غرفة تقطنها مع أطفالها الـ12، نحو علبة حديدية بجوارها أعواد من الخشب، وآثار إيقاد نّار تحتها، هو كل مطبخها.
هذا حال آلاف النازحين في محافظة تعز، وسط اليمن، عائلة “حياة” هي واحدة من عشرات العائلات ما يطلق عليهم في البلاد “المهمشين”، والمتميزين ببشرتهم السمراء، تنتمي لمنطقة “البعرارة” غربي المدينة، حيث تدور اشتباكات عنيفة بين المقاومة الشعبية من جهة و مسلحي الحوثي والقوات الموالية للرئيس السابق “علي عبدالله صالح” من جهة أخرى.
تقول منظمة الصحة العالمية إن أكثر من 3ر3 ملايين من سكان تعز، بمن فيهم أكثر من 300508 نازحين، يحتاجون للمساعدة الصحية والإغاثية العاجلة.
معرضون للموت
تقول حياة إن المقاومة اضطرت إلى نقلهم قبل عيد الأضحى المبارك، إلى مدرسة قيد الإنشاء في محيط ساحة الحرية وسط المدينة.
“ما زلنا معرضون للموت، القذائف تتساقط حولنا، والمرض يتربص بنا، لا نملك مواد غذائية ولا ماء للشرب أو بطانيات”، تقول حياة لـ”يمن مونيتور”، بلكنتها العاميّة البسيطة.
وبشكل شبه يومي يقصف الحوثيون وحلفاؤهم الأحياء السكنية في تعز، بمختلف أنواع القذائف بما فيها “صواريخ الكاتيوشا”، ويسقط بشكل دائم قتلى وجرحى معظمهم من الأطفال والنساء المدنيين.
تحولت تلك المدرسة- قيد الإنشاء- إلى مكان للجوء رغم ألا أبواب ولا نوافذ لها، عشرات العائلات كـعائلة “حياة” موزعة داخل المدرسة، يفترشون الأرض العارية “الباردة” ويلتحفون بـ”الطرابيل” و”الأشولة”، ليلاً خوفاً من البرد.
تقول “حياة”، إن الإسمنت آذى كثيرا أجهزتهم التنفسية، وتسبب البرد للعديد من الأطفال بالتهابات حادة، وآلام في الكلى”. وعلقت الطفلة غدير: “أشعر بألم في بطني حين يشتد البرد”.
“حياة” تؤكد ثانية، “بأن بضعة أسر يعيشون في الملجأ، وبأن البعض منهم يشكو من أمراض كثيرة، لكنهم غير قادرين على الذهاب إلى المستشفيات وتلقي الرعاية الطبية، في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة”.
حصار وتجاهل
لم يتبقَ في تعز إلا مشفى واحد يعمل، “مستشفى الروضة”، من أصل 46 مشفى في المدينة، وأعلن المشفى الوحيد عدم قدرته على استقبال المرضى في سبتمبر/ أيلول الماضي، فقد تم تخصيصه لجرحى الحرب، في ظل انعدام الدواء، فالحوثيون يعاقبون سكان المدينة بحصار خانق، منذ ابريل/ نيسان الماضي، فلا غذاء ولا دواء ولا خضار، ومؤخراً منعت الجماعة المسلحة دخول صهاريج المياه إلى المدينة.
بدوره قال “محمد علي”، أحد سكان الملجأ، “استغرب تجاهل إحدى الجمعيات الخيرية، التي طلبت منا تسجيل أسمائنا لتلقي معونة إنسانية، لكنهم لم يفعلوا واستثنوهم ووزعوا المعونة على الآخرين”، مضيفاً “نحن مهمشون لكننا مسلمون ويمنيون فلماذا التمييز؟!”، وهكذا فإن الجوع والمرض لا يميزان بين أبيض وأسود.
الأطفال “فوزي” و”سعيدة” و”غدير”، قالوا “لا نريد أن نظل نازحين، نريد أن نعود إلى منازلنا”، ولسان حالهم يقول: نريد أن نعود، وإن كان مصيرنا الموت الذي اختطف الاسبوع الماضي ستة من أصدقائهم، بقوا في حيهم “البعرارة”.
ورصد ائتلاف إغاثة في تعز إحصائيات بين مارس/ آذار الماضي، وأكتوبر/ تشرين الأول الجاري، قالت إن عدد القتلى بلغ 1562، فيما بلغ عدد الجرحى نحو 15641، وبأن 1.600.000 لا يجدون الماء الصالح للشرب، وعدد النازحين بلغ 70%، وتم إغلاق 95% من المستشفيات والمراكز الصحية، وتدمير 3267 منازل وممتلكات عامة وخاصة، وغياب 100% للخدمات العامة( ماء، كهرباء، نظافة)، وتسريح 90% من موظفي القطاع الخاص، وتوقف 20 منشأة صناعية، و 95% من المحلات التجارية مغلقة.