هي ثورة وعي تأصل فينا نحن جيل نشأ في مخاض هذه الثورة، بانطلاق شرارتها الاولى من جبال ردفان الشماء، وتزينت بأيقونتها الثقافية والفكرية من عدن، المدينة والمدنية المنفتحة على كل الثقافات والأعراق والحضارات، بأرضها الخصبة أنبتت الفكرة ونبتنا وتفتح وعينا.
56 عاما من ثورة اكتوبر المجيدة، ثورة حق لشعب تواق للحرية والكرامة والعزة وتقرير المصير بإرادته الحرة والانعتاق من التبعية للمستعمر الأجنبي وأعوانه، لتعيد للامة احترامها بين امم المعمورة.
هي ثورة وعي تأصل فينا نحن جيل نشأ في مخاض هذه الثورة، بانطلاق شرارتها الاولى من جبال ردفان الشماء، وتزينت بأيقونتها الثقافية والفكرية من عدن، المدينة والمدنية المنفتحة على كل الثقافات والأعراق والحضارات، بأرضها الخصبة أنبتت الفكرة ونبتنا وتفتح وعينا.
عدن الوعي الثوري والتحرري الذي ولد من رحم الحركة العمالية كنواة للحركة الوطنية اليمنية للشمال والجنوب معا، كانت منار ومنبر لحركات التحرر العربية، بدعمها المعنوي والمادي السخي، عدن التي جمعت الاشتراكيين باللبراليين والاسلاميين بالقوميين والوطنيين بكل مشاربهم الفكرية والسياسية على كلمة سواء، تطلب الحرية والكرامة وتحفظ السيادة، كشباب تلك المرحلة شهدنا المعارك الفكرية والثقافية والفدائية معا، وتركت فينا أثرها الذي ما زال مرشدا لوعينا واختياراتنا ومواقفنا، في سن الدراسة الأكثر شغفاً في المعرفة وتفحصاً لما يدور في احياء وشوارع وسفوح جبال عدن، متابعين أحداث المعركة التحررية بكل تفاصيلها وخطاب القومية العربية والزعماء وعلى راسهم جمال عبد الناصر، في تطفلنا لجلسات الكبار واستماعهم لتلك الخطابات وتحليلاتهم ونقاشاتهم، في مقاهي عدن التي لا يخلو أي مقهى منها من المذياع وتلك الجلسات، وما يسودها من راهبة الصمت والتمعن بالاستماع.
نشأنا متأثرين بتلك المرحلة ثقافيا وسياسيا واجتماعيا، بفسيفسائها من الطوائف والعقائد والأعراق والتوجهات السياسية والفكرية، بيئة تنشط العقل، وتضبطه بقيم ومبادئ انسانية عظيمة، بل ثورية جسدت فينا قيم ومبادئ الثورة وعظمتها.
نشأنا في بيئة محترمة نعي معركتنا الوطنية، بوعي الثورة وتحدياتها الفكرية والثقافية والحضارية، وعي يستلهم معرفة وجهد وطاقة تحفظ احترامنا لأنفسنا أولا ولشركائنا ثانيا، في توظيف كل ذلك لوطن يستوعب هذا الحق.
كانت الثورة لحظة تاريخية فاصلة لتكتسب الامة احترامها، وتحطم قيود التبعية والاستعمار والتخلف والعصبية، والمحترم محفوظ الكرامة يملك حق تقرير المصير والتحرر والانعتاق وبناء المستقبل الجديد الخالي من الظلم والاستغلال والتمييز والتبعية للأجنبي.
عظمة الثورة انها وحدت الأرض والانسان، في الجنوب وحدت 22 سلطة وامارة، واستعادت وحدة الوطن، على طريق الوحدة العربية الحلم، وهو ينمو ويتقوى في رحم وحدانية حركات التحرر الوطنية التي شكلت سلسلة متواصلة ومتلازمة معا تدفع بعضها بعض في معركة مصيرية واحدة، ولهذا كانت ثورتي سبتمبر واكتوبر امتداد لتلك الحركات، القوميين العرب والناصرية والاسلامية معا، في وحدة الهدف والمصير .
حاولوا أعداء الامة القضاء على هذا الحلم وهو في رحم حركات التحرر العربية، بزرع بذور الفتن والجهل والتخلف وترسيخ العصبيات الصغيرة لتفكيك الامة والقضاء على حلمها، أفقدوا الثورة شيئا فشيئا من وعيها، دافعين بقوى تخلفنا وتعصبنا لتستهدف مناطق الوعي والثقافة والفكر الثوري المتحرر وتلتهمها كعدن وتعز وحضرموت، وتحولت الثورة لمجرد نزعة مزاجيه لمجموعة طائشة مراهقة قدمت من مناطق العصبية، وبدعم خارجي و وهم تسلطي، تبحث عن الشهرة ومصالح آنية، تدير مجموعة من الانقلابات عسكرية كانت ام سياسية في جنح الظلام الفكري والثقافي وظلمة الوعي الثوري، لفرض مزاج سياسي و أيدلوجي اصولي متعصب يلزم الشركاء للخضوع والاستسلام لأمر واقع لا يلبي تطلعاتهم ولا يحفظ لهم احترامهم، وبالتالي نفقد مسألة الاحترام هنا، لتتحول الثورةإالى مجرد ذكرى، في أنظمة اصولية دكتاتورية مستبدة اسرية طائفية ومناطقية، تقيم لها الاحتفالات الجنائزية.
اقولها بأسف وغصة تقتلني، اغتصبت منا سبتمبر واكتوبر بالانقلابات التي خلفت تراكمات وشروخ عميقة في جسد الثورة، واستمرت تلك التراكمات تغذي كرة الثلج، وبدأنا مرحلة من الاغتصاب الفكري والايدلوجي، فكفر العديد بالثورة، ناعياً الامة ومستقبلها في سنوات عجاف من الصراع، سلم البلد والثورة للقوى التقليدية المتخلفة والمتعصبة الغير محترمة والتي لا تحترم نفسها ولا شركائها، ففقدنا بصيص أمل بالتغيير المأمول ليضع الامة في مصاف محترم بين الامم، فسرنا وسار الوطن من سيء إلى اسوأ، وها نحن نعيش في أخطر مراحلنا، أن نجد من يلعن تلك الثورة، ومن كفر بقيمها وعظمتها، ومن يهد اليوم اسسها واستحقاقاتها، وتعود للواجهة مشاريع استعمارية واستبدادية طائفيه مناطقية، كانت الثورة قد حسمت أمرها، وتجاوزتها للانطلاق نحو الحرية والانعتاق من تلك المشاريع، اليوم عادت فكرة تمزيق وطن لكنتونات استعمارية، وعادت الإمامة لشمال الوطن، ونرى مشاريع استعمارية تحاول أن تعود للجنوب.
لم نستسلم بعد، ولن نستسلم كقوى الثورة وما زلنا نقاوم ونتصدى لتلك المشاريع وستنتصر الثورة بشرفاء الوطن، ستنتصر بفرض احترامها لذاتها وشركائها وحقهم في الحياة كما يتطلعون، احترام العقائد والتوجهات السياسية والفكرية , احترام منضبط بنظام وقانون ودستور ينظم ايقاع الحياة والاختلاف والتنوع هو المخرج الوحيد لمصاف الحرية والنهضة والتقدم لتبني دولة مدنية محترمة ترفع من شأننا بين الامم.
————–
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.