في شريعة الغَاب يتحاور أطراف الصراع والفِتَن على كيفيَّة إعادة تموضعهم كشركاء يتقاسمون السُّلطة، ويتحكمون في حرية المجتمع ومصَادر معيشة الخَلْق، وكأن الشَّعب مجرد قُطْعَان لا يعنيها من الأمر إلا أن تعرف في أيّ حِصَّة ستكون.
في شريعة الغَاب يتحاور أطراف الصراع والفِتَن على كيفيَّة إعادة تموضعهم كشركاء يتقاسمون السُّلطة، ويتحكمون في حرية المجتمع ومصَادر معيشة الخَلْق، وكأن الشَّعب مجرد قُطْعَان لا يعنيها من الأمر إلا أن تعرف في أيّ حِصَّة ستكون.
وفي شريعة الإنسانية أن يتولى الوسطاء إجبار الأطراف التي أفسدت الحياة بصراعاتها على إيقاف عبثهم، ثم عَزْلهم عن التَّدخل في إدارة شؤون المجتمع؛ لأنهم قد أثبتوا بالبرهان القاطع أنهم غير أكفاء ولا مأمونين على الحياة، وأنهم حمقى قاصرون يَتَعَيَّن الإمساك على أيديهم والحَجْرُ عليهم.
ومجاراةً لأحكام شريعة الغاب، سنحاول – بقدر ما أوتينا – أن نُقدّم النُّصح والمشورة فيما يعتمل من ترتيبات للتفاهم حول أزمة اليمن، لعل ذلك يُسهم في تخفيف البلاء الذي لا بُد منه، ومن هذا المنطلق ندرك أن أطراف الصراع يذهبون إلى الحوار وعقولهم مُغلقة إلا من السعي لحصول كل منهم على أفضل نتيجة لهم ولشللهم ومن يقف وراءهم، وعلى الشعب القبول والتصفية لأن جلاديه اتفقوا على أن يجلدوه بطريقة مختلفة.
وعلى كل ندعو مختلف أطراف الصراع إلى أن يستحضروا الآتي عند حوارهم على تقاسم سلطة البلاد ومقدرات الشعب:
1. المسارعة في تقديم ما يمكن تقديمه من خطوات إثبات حسن النوايا، وتجنب الصعيد الداخلي بحجة تعزيز موقع التفاوض؛ لأن ذلك لا يكون إلا بين الفرقاء الدوليين ليس بين الشركاء المحليين، فالمزيد من الأوجاع يُعمّق التَّنافر أكثر فأكثر.
2. التفكير الجدي في التخلي عن السلاح والاتفاق على أن يكون حصراً في يد الجيش، وأن يكون الجيش وطنياً لا ينتمي لشيء سوى الوطن؛ لأن وجود السلاح في أيدي الفرقاء يصيبهم بلوثة الغرور ويدفعهم نحو التَّحدي والطيش على حساب الحِكمة والتَّعايش، وذلك لن يكون حتى في صالح مشاريعهم الفئوية الضيّقة.
3. التخفيف من حدة التفكير في تقاسم السلطة ومحاصصة مقدرات الشعب، لما في ذلك من بلاءٍ يؤدي إلى تكوين محاور للاصطفاف، ويؤسس لصناعة مراكز نفوذ جديدة، تدور حول نفسها وتُغلِّب المشاريع الحركية على المشاريع الوطنية، وفي ذلك ما فيه من استنزاف مقدرات البلاد في سبيل الاستقطاب والمغالبة.
4. إتاحة الفرصة لجيل الشباب المتحررين من عُقد الانتماءات المصطنعة، المتخففين من أثقال أحقاد وصراعات الماضي، على أن يكون معيار التَّميُز والأولية هو الكفاءة والقدرة، وليس الانتماء إلى أي عنوان ديني أو مناطقي أو عشائري أو حزبي.
5. جعل الأولوية فيما يتم إقراره لما يؤدي إلى بناء دولة حقيقية تحمي المجتمع وتُحقق له الحرية والأمن والعدل، لأن الجميع بمن فيهم الفُرقاء سيكونون سعداء في ظل هكذا دولة، ولن يحتاجوا للاحتماء بالعصبيات أو الأطر الأخرى.
6. التأكيد على أولوية أبناء المناطق المختلفة في إدارة شؤون حياة بلداتهم بتفويض من الأهالي وتحت رقابتهم، لكي يتحمل الجميع مسؤوليتهم وتختفي شكوى الناس من استئثار وتسلط الآخرين عليهم، خصوصاً مع تفعيل قاعدة: خير الناس أنفعهم للناس.
7. التأسيس لقوانين فاعلة تؤدي إلى نزع سلطة المال من أيدي المسؤولين، وفرض قوانين للشفافية المطلقة، لا سيما في شأن إدارة الموارد المالية وتنفيذ المشاريع، وتسيير شأن البلاد، واعتبار التستر والتحايل جرائم يعاقب عليها القانون.
8. إحالة ملفات المحاسبة والتعويضات واستحقاق بعض أشكال المشاركات الإجبارية إلى قوانين العدالة الانتقالية التي يفترض أن تُوضع بعناية ولا تصبح نافذة إلا بتصويت الشعب أو من ينوب عنهم.
9. وضع خطوات صارمة تحت إشراف المجتمع الدولي لتنفيذ ما يتفق عليه، بحيث لا يفصلنا عن التصويت على مسودة الدستور المُعدَّة سوى عدة أشهر، ولا يفصلنا عن الانتخابات النيابية والرئاسية والمحلية سوى عام واحد.
10. التزام العلنية في التفاهمات التي ستجري بحيث يعرف الشعب جميع ما يطرح كلُّ طرف من مقترحات وما يستحضر من مخاوف وما يندفع نحوه من تطلعات، لكي يعرف الناس مواقف الفرقاء ويتعاملوا معهم في ضوئها.
11. صوم أطراف الصراع عن التصريحات النارية والتحديات وإطلاق التهديد والوعيد لما لها من آثار سلبية تلقي بظلالها على مسارات التفاهم، وتشوِّش حسن النوايا، وتُعكر المزاج العام.
ومن قبل هذا وبعده وفوقه وتحته أن تتوفر لدى مختلف الأطراف الرغبة الحقيقية في الصلح وإخراج البلاد من دوامة العنف والاحتراب.