كتابات خاصة

نحو تعليم دراسي يحقق التعايش (2/2)

د.عبدالله القيسي

حاولت من خلال دراستي لمنهج التربية الإسلامية أن أخرج بأهم الأفكار التي لا بد وأن تعاد قراءتها أو تعاد صياغتها بلغة معاصرة عما جاء في التراث حتى نستطيع جميعا أن نتعايش بحرية وسلام، تحدثت في مقال سابق عن الخطوط العريضة لما يحتاجه المنهج الدراسي ليحقق مزيدا من التعايش بين أبناء البلد المختلف، وليحقق مزيدا من الإبداع بين الطلاب، وفي هذا المقال أركز على منهج التربية الإسلامية باعتباره المنهج الذي تتسابق عليه المذاهب لتغييره بما يخدم مصلحتها وأهدافها ولو كان على حساب تعايش المجتمع.

حاولت من خلال دراستي لمنهج التربية الإسلامية أن أخرج بأهم الأفكار التي لا بد وأن تعاد قراءتها أو تعاد صياغتها بلغة معاصرة عما جاء في التراث حتى نستطيع جميعا أن نتعايش بحرية وسلام، إننا بحاجة لقراءة جديدة تزيل منها المفاهيم المغلوطة التي تتعارض مع مقاصد الإسلام، وهذه القضايا قُدّمت فيها قراءات ومراجعات تجديدية كثيرة لكثير من المفكرين المعاصرين وصار لها قبولا أوسع من الأطروحات القديمة، وبدل أن تظل حبيسة اقتناع النخبة لا بد أن تصل إلى عقول الطلاب لما لها من أهمية في تحقيق التعايش والاستقرار.
هناك أفكار كثيرة نحتاج أن يعززها التعليم كي تحقق لنا تعايشا أكثر، ومن أهم الأفكار والمفاهيم التي ينبغي التركيز عليها في هذا في الصعيد مفهوما أو قيمتا الحرية والمواطنة المتساوية: إذ هما أهم قيمتين بحاجة لمراجعة في المنهج الدراسي، حيث لا زال في المناهج ما يعزز عدم الإيمان بحق الحرية للمخالف، ومن ثم يترتب على ذلك عدم الإيمان بحق المواطنة المتساوية، التي تقتضي المساواة بين كل أفراد المجتمع دون تمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو اللغة.
ومن أهم الخطوات في حل إشكال الحرية تعميق مفهوم الفرق بين حقوق الله الخاصة بينه وبين الله، وحقوق العباد التي بينه وبين الناس، وأن الأولى ضمن دائرة الإنسان الخاصة، بينما الثانية تندرج ضمن الدائرة العامة التي تنظمها القوانين تحت قاعدة: لا ضرر ولا ضرار، إذ نحتاج لإبراز هذه المفهوم وتعميقه وتعزيز ما يترتب عليهما في الواقع العملي بين الناس، وكل ذلك يبدأ من التعليم.
فحق الله، هو كل فعل أو قول أمر الله به المسلم في إطار علاقته الخاصة به. وهذا يعني أنه لا يحق لأي أحد إلزامه بالأمر، أو بطريقة ما في التعبد، إلا عن طريق الاقناع فقط، وليس المسلم موكلا من الله ليلزم الناس به بالقوة، فالصلاة والصوم والحج والدعاء وكل الشعائر التعبدية وما رافقها تعتبر من حقوق الله القائمة بين الإنسان وربه على العفو، فالإنسان يستسلم لله وينفذ القول والفعل والله يتقبل ويعفو عن التقصير. أما حق العباد، فهو كل فعل أو قول أمرك الله به في إطار تنظيم علاقتك مع الناس. وهذا الحق مبني على العدل بين الفرد وغيره، ولا يحق للفرد ممارسة أي فعل قد يضر أو يؤذي غيره، أو يشق عليهم، أو يفسد عليهم شيئا جميلا في حياتهم.. في الحق الأول لا نحتاج إلى قاض يفض النزاعات لأن الناس أحرار فيما اختاروا من دين أو مذهب، ولا يحق لأحد إلزامهم بعقيدة ما، ولا يحق للسلطة التدخل بفرض أي مذهب، وإنما تقف على زاوية واحدة من الجميع، أما في الحق الثاني فنحتاج لقاض يفض نزاعات الناس، ونحتاج لقوة السلطة لتمنع الاعتداء بين الناس.
للأسف لا زلنا نجد كثيرا من الناس يفسدون حياة غيرهم وحرياتهم حين يتدخلون بإلزام الناس وإكراههم على مذهب معين، وكان الأولى بهم أن يكتفوا بالإقناع فقط في إطار المجتمع المدني.. لو علم أولئك الناس فلسفة الدين في هذه المسالة لذهبت نصف مشكلات الحرية في مجتمعاتنا.
أما أهم القضايا البارزة التي وجدت في مراجعتها أولوية في مناهجنا الدراسية والتي أراها سببا في العنف وعدم التعايش، فهي:
1. مفهوما الخلافة والإمامة: وهما من أخطر المفاهيم السياسية الدينية وتكمن وراءهما مشكلات عدة، فهما أولا مفهومان غير واضحين في أذهان كثير ممن يؤمن بهما أو ينادي بهما، كما يستحيل تطبيقهما بتلك الطريقة الساذجة التي في أذهان القلة منهم، والدولة المدنية الحديثة اليوم قفزت كثيرا على ذلك التصور لشكل الدولة، فصرنا بحاجة لترك مثل هذه المفاهيم التي تزيد وتشعل الصراع الطائفي إلى الصورة المدنية التي تحقق التعايش للجميع، وكثير من التأويلات للنصوص الدينية تحاول أن تثبت أن هناك حقا إلهيا في الحكم لفئة ما، وهذا مما لا أساس له في الدين، ومما يوسع دائرة الصراع ويساهم في استمرارها.
2. مفهوم الولاء والبراء: ما تعريفهما وما سببهما ولمن وكيف يكون الولاء والبراء؟ وهذين المفهومين لا بد أن يكونا مؤسسين على أساس انتهاك حقوق الإنسان، نوالي من ناصر الإنسان ونتبرأ ممن انتهك حقوقه، وهذا ما أسميه الموقف الأخلاقي، أما الموقف المعرفي، فلا براء فيه من المخالف مهما بلغ خلافه. فيعرف الطالب أن عدوه ليس من يخالفه في المذهب أو الدين وإنما من يقاتله ويحاربه ويسعى لانتهاك حقوقه.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.
 
3. مفهوم الجهاد والقتال: ما الفرق بينهما ومتى وأين يكون كل منهما؟ وما هي مجالات كل منهما؟ فالجهاد بذل جهد في إحقاق الحق وإبطال الباطل، وبذل جهد في بناء الوطن، أما القتال فيكون لرد العدوان فقط. وفي هذا المفهوم يتعلم الطالب أساليب الحوار والنقاش والجدل باعتبار ذلك جهادا، ويحدد مفهوم القتال بدقة ضد كل من يعتدي فقط.
4. مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ما هو تعريف كل من المنكر والمعروف؟ وما هي الأدوات والأساليب التي تحقق ذلك دون تدخل في حرية الآخرين؟ والمعروف برأيي هو ما أقره الدستور والقانون والمنكر هو ما خالفه، وعلينا أن نجعل كل بنود الدستور والقانون معروفة لدى الجميع حتى يتحقق بها المجتمع بأكمله. وهناك أعراف جيدة في المجتمع ندعو لها وأعراف سيئة نتجاوزها إلى تأسيس عرف أفضل منها.
5. مفهوم الكفر والتكفير: على من أطلق القرآن الكفر؟ وهل من حق المسلم تكفير أحد من الناس أم أن ذلك لله وحده، كونه العالم بما تخفي الأنفس؟ ما هي مشكلات التكفير وكيف يمكن معالجتها؟ فالتكفير دخول في مهام الإله والمسلم داعية لا قاضي، وعليه أن يدع القضاء لله يوم القيامة.
6. قضايا  المرأة: وهي من أهم القضايا التي تحتاج إلى دراسة تبين أين تكون مساواتها مع الرجل وأين لا تكون، خاصة وأن هناك تعسف واضح وتقييد لكثير من حقوق المرأة بلا دليل. وعلى الطالب أن يدرس كل ذلك كي يحترم الأنثى على أساس أنها إنسان لا على أنها أنثى قاصرة.
7. قضايا غير المسلمين: وهي أيضا من القضايا المهمة التي تحتاج لدراسة تحت مبدأ المواطنة المتساوية، إذ لا زالت بعض أحكام الفقه تضع الفوارق التي لا تحقق المساواة بينهم وبين المسلمين في بلد واحد.
8. قضايا العقوبات: ما هي فلسفتها ومتى تتحقق ؟ ويأتي على رأس العقوبات التي بحاجة إلى مراجعة ما يسموه حد الردة، ذلك أنها عقوبة سياسية أنتجتها صراعات سياسية لتثبيت الحكم، ولا علاقة لها بالدين بل إنها تخالف نصوص الدين مخالفة واضحة. وكذلك حد الرجم الذي تسرب من الثقافة اليهودية للإسلام في مخالفة واضحة لمقاصد الإسلام، وبطريقة بشعة في القتل تتناقض مع روح الدين.
تلك هي أهم المفاهيم التي تحتاج لمراجعة أولية في المناهج الدينية، يتماشى مع ذلك مراجعات لتطوير منهج عقلاني يتناسب وعالمية الإسلام ويخاطب كل أجناس البشرية بدل ذلك الخطاب المحلي المليء بالكثير من التناقضات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى