فأيّ خزي وأيّ عار وشنار أكثر وأكبر مما صار؟ منذ زمن بعيد والعرب لا يتفقون على موعد صوم أو عيد. وفي هذا العام أُضيفت إلى هذه الملحمة العربية التليدة ملحمة يمنية جديدة. ففي هذا العام اختلف اليمنيون على موعد عيد الفطر، فأعلن العيد رهط منهم وأكمل الصوم رهط آخر. ولم يكن هذا الاختلاف بين أبناء الشعب الواحد وفي النطاق الجغرافي للبلد الواحد، بل بلغت المأساة مدى مؤسفاً بأن كان هذا الانقسام على مستوى المحافظة والمدينة والحارة!
فأيّ خزي وأيّ عار وشنار أكثر وأكبر مما صار؟
لقد بتنا أضحوكة العالم. وبقدر ما بكى لأجلنا بعض هذا العالم، للمآسي والويلات التي أقترفناها في حق أنفسنا وأقترف أخوة لنا جزءاً منها في حقنا، بقدر ما ضحك بعض هذا العالم وسخر من حماقتنا وسخافتنا وجلافتنا ضد بعضنا إلى الحدّ الذي صار لسان حال هؤلاء يقول: “من يهن يسهل الهوان عليه……”!
نعم ، لقد صنعنا مأساتنا القائمة اليوم بأيدينا. فنحن من بطش بالأمن الأهلي والسلام الداخلي وأثار زوبعة الفتنة في بحيرة المجتمع وأشاع دواعي الاحتراب من منطلقات قروسطية كان المرء يظنها غدت من مكنونات متاحف التراث الآفل. ونحن من وسَّع ملهى الدم وملعب البارود بالداعي الجاهل لحَمَلة الخبث التاريخي والحقد المزمن ممن وجدوا الفرصة سانحة للانقضاض على ما تبقَّى لليمن وأهلها من عفو وعافية وصفو ورفاهية، فاذا بهم ينقلبون من رُسُل غوث وعون ونجدة إلى شياطين قهر وظلم ودمار، ومن غيمة استسقاء إلى خيمة استعمار!
ونحن من مزّق كل رايات التاريخ المجيد وأحرق كل آيات السلف العظيم في لحظة طيش داهم، داس فيها الكبار على عنق العقيدة والصغار على عورة الأخلاق، حتى تبدَّى للعالم أننا حالة زيف مزمن تدثَّرت بالوهم قروناً ثم انكشف القناع عن وجه دميم وروح كريهة وضمير نتن!
أكتب هذه السطور في ظلال العيد والحج.. ليس لأصدم أبناء العشيرة، فان هؤلاء ما عادوا يُصدَمون.. وليس لأنكأ الجراح الغائرة، فلم يعد ثمة جرح غائر على الاطلاق.. انما أكتبها من باب تذكير النفس بأننا شعب لا يستحق الاحتفال بأعياد تتشارك في احيائها الشعوب السويَّة في كل بقاع المعمورة.
نحن قوم سادوا ثم بادوا، واجترحوا الملاحم ثم انبطحوا بالولائم وناموا على السلالم!
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.