كتابات خاصة

الربا والبنوك (5/2)

د. عبدالله القيسي

كما أن الربا يرتبط بالإثرة والبخل وتحجر القلب والتكالب على المادة، وهو يقطع الأواصر في المجتمع إذ يكون فيه عوز شخص وفقره فرصة يغتنمها غيره للاستغلال، والربا يقسم المجتمع إلى طبقة مستغلة وطبقة بائسة مستغَلة.

هناك مشكلات كثيرة يخلقها التعامل الربوي في المجتمع، بعضها خلقية وبعضها اجتماعية وبعضها اقتصادية، ، ففي الجانب الخلقي يقطع الربا صلة المعروف والقربى بين الناس، فمادام القرض بربا فلا مواساة ولا معاونة ولا إحسان، وفي الجانب الاجتماعي يصبح الربا تسليطا لطبقة الأغنياء على طبقة المحتاجين، وفي الجانب الاقتصادي يسبب الربا كساد التجارة وضعف الصناعة لاكتفاء الأغنياء بربح القروض عن المشاركة في النشاط الاقتصادي.

كما أن الربا يرتبط بالإثرة والبخل وتحجر القلب والتكالب على المادة، وهو يقطع الأواصر في المجتمع إذ يكون فيه عوز شخص وفقره فرصة يغتنمها غيره للاستغلال، والربا يقسم المجتمع إلى طبقة مستغلة وطبقة بائسة مستغَلة.
وهذا الربا جريمة كبرى وانتهاز للفرص، وإذلال للمحتاج، ولذا حرَّمه الإسلام. أما المعاملات المالية الأخرى بين الناس فإن الإسلام أظهر سماحته ويسره فيها، ليُيسّر على الناس حياتهم، حتى لو كان هناك ما يخالف القاعدة التي أقرها ما دام هناك احتياج للناس يجعل مصلحتهم أكبر من تلك المخالفة ، فمثلا بيع السلم هو بيع معدوم قد يكون فيه غرر، وهو بيع مؤجل بسعر أعلى، وفيه نوع من الفائدة بسبب تعجيل الثمن في السلم، ونوع من الفائدة بسبب تأجيل دفع الثمن أو تقسيطه، ومع هذا فإن الإسلام يبيح ذلك تماشياً مع طبيعة الإسلام في رفع الحرج فيما قد يكون فيه مصلحة أكبر للناس، يقول تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ وكل ما يشترطه الإسلام من في السلم والبيع المؤجل بسعر أعلى ألا توجد مبالغات في التقدير والفائدة بحيث لا تنقلب هذه المعاملات إلى انتهاز لفرصة وظلم لمحتاج كما سبق.
ومن العقود المالية التي أقرها الإسلام عقد المضاربة، وهو عقد بين اثنين يتضمن أن يدفع أحدهما للآخر مالا ليتجر فيه بجزء شائع معلوم من الربح كالنصف أو الثلث أو الربع، فإذا حدثت خسارة بدون إهمال كانت الخسارة على صاحب المال ويخسر العامل جهده، أما إذا كانت الخسارة عن إهمال فإن العامل يضمن هذه الخسارة على حسابه، وعقد المضاربة كان موجوداً قبل الإسلام ثم أقره الرسول عليه السلام.
ومن المعاملات التي أقرها الرسول بحسب قاعدة المصلحة أمره عقب الهجرة إلى المدينة مالك الأرض التي لا يزرعها أن يتركها للقادرين على زراعتها، وقال في ذلك: (من كان له أرض فليزرعها، أو فليمنحها أخاه) وكان ذلك لظروف المدينة عقب الهجرة حيث كان الأنصار بها يملكون مساحات واسعة من الأرض، ولم يكن المهاجرون يملكون شيئاَ بطبيعة الحال، فرأى الرسول أن مصلحة المسلمين تقضى بأن يترك مالك الارض ما لا يزرعه منها إلى من يحتاجها للزراعة، ولما تغيرّت الأحوال، واستقرت الأمور أباح إيجارها، ومزارعتها.. وهذا يؤكد قاعدة أن المصالح تختلف باختلاف الزمان والمكان والظروف.
البنوك:
  البنوك مؤسسات تجارية استثمارية في النظرة هناك من يرى أنها نوعاً جديدا في المعاملات التجارية يناسب التعقيد الذي تسير فيه التجارة والصناعة في عصرنا، وتكون هذه المعاملة عن طريق إيداع أموال للاستثمار، وتقوم البنوك أو الحكومات باستغلال هذه الأموال المدخرة في أمور التجارة والصناعة والعمران، وتدفع للمتعاملين وحاملي هذه الشهادات عائداً بنسبة إيداعاتهم، حوالي 15% سنوياً، وكذلك تمويل مشاريع استثمارية مقابل نسبة يأخذها البنك.
وهناك من يرى أن البنوك صورة متطورة من صور المضاربة، وأن النوع السابق من المضاربة قد تراجع كثيراً، بسبب تعقد الحياة وأنظمتها الاقتصادية.
إذن فنحن أمام معاملة تجارية لا تدخل في نطاق القروض والربا على الإطلاق، وهي في اتجاهها التجاري مثل المضاربة مع التقسيم المباحة بالإجماع، ومما يبعدها عن الربا أنه لا توجد بها مظاهر الربا التي ذكرتها من قبل، من قطع لصلة القربى بين الناس، وعدم المواساة، وتسليط طبقة الأغنياء على الفقراء، والأثرة والأنانية، واغتنام فرصة احتياج شخص لاستغلاله.
وقد كانت هذه النظرة الغالبة للبنوك عند تأسيسها في بداية القرن الماضي، ثم تطور الجدل في حكمها بين مجيز ومحرم في منتصف الخمسينات بدرجة متقاربة، ثم رجحت الكفة لصالح المحرمين لتلك البنوك بعد إنشاء أول بنك (إسلامي) في دبي في منتصف السبعينات، ومنذ ذلك التاريخ صارت الآراء التي تقول بعدم ربويتها تدخل خانة الشذوذ الفقهي عند مخالفيهم بعد أن كانت ضمن دائرة السعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى