الحرب تفاقم معاناة مرضى الصرع في اليمن
قبل نحو خمسة أعوام، أصيبت سحر محمد بنوبة الصرع الأولى في حياتها، عندما كانت تبلغ من العمر 25 عاماً. يمن مونيتور/العربي الجديد
لا توفّر الحرب أيّاً من مكوّنات المجتمع اليمني، وتأتي تبعاتها وخيمة أحياناً على فئات مختلفة، لا سيّما تلك التي تشمل أشخاصاً يعانون أمراضاً مزمنة. المصابون بالصرع من هؤلاء الذين فاقمت الأزمة في البلاد معاناتهم.
قبل نحو خمسة أعوام، أصيبت سحر محمد بنوبة الصرع الأولى في حياتها، عندما كانت تبلغ من العمر 25 عاماً، وراحت حالتها الصحية تتدهور بعد ذلك نتيجة فقدان الأدوية الخاصة بالصرع وارتفاع أسعارها في حال توفّرت، على خلفيّة الحرب الدائرة في اليمن. وتتفاقم الحال بسبب المعتقدات الخاطئة في المجتمع اليمني الذي يرى أنّ هذا المرض ناتج عن “سحر” أو “مسّ شيطاني”.
تخبر سحر، وهي اليوم أمّ لثلاثة أطفال، أنّ “معاناتي مع المرض تفاقمت من جرّاء النقص في الأدوية المدعومة حكومياً وارتفاع أسعار الأخرى في الصيدليات الخاصة في حال توفّرت”. تضيف لـ”العربي الجديد” أنّ “المرض عزلني عن المجتمع، ولم أعد أستطيع الخروج من المنزل مثلما كنت أفعل من قبل، ولا حضور الأفراح والمناسبات الأخرى، ولا إمضاء وقت مع نساء الحيّ، خوفاً من إصابتي بنوبة صرع مفاجئة تفقدني السيطرة على نفسي وتعرّضني للإحراج”. وتؤكد سحر أنّها لا تغادر منزلها “إلا للضرورة، وبصحبة زوجي أو شقيقي. هما يعرفان كيف يساعدانني في حال أصبت بنوبة محتملة”، موضحة أنّ “النوبة قد تصيبيني في أحد الشوارع العامة، الأمر الذي قد يعرّضني إلى حادثة مرور أو غير ذلك”.
المرض نفسه كان سبباً في حرمان السلطان الحاج الذي يبلغ اليوم 30 عاماً من وظيفة حكومية تضمن له دخلاً ثابتاً أسوة بغيره. يقول لـ”العربي الجديد”: “أصبت بالمرض عندما كنت طفلاً، وأنا ملتزم بالعلاج الطبي المنتظم منذ ذلك الحين، أملاً في الحفاظ على استقرار حالتي”. يضيف: “بعد تخرّجي من الثانوية العامة، حاولت الالتحاق بالسلك العسكري، غير أنّ مرضي حال دون ذلك، فرحت أعمل في القطاع الخاص لفترة من الزمن. لكنّ إصابتي بنوبات صرع من حين إلى آخر، في أثناء العمل، تسبّبت في إقالتي”. ولا يخفي الحاج أنّه يعاني كذلك من “ضائقة مالية. فبالإضافة إلى كوني بلا عمل، أنا مطالب بتوفير مال لشراء الأدوية الخاصة، علماً أنّ أسعارها مرتفعة”. ويشير إلى أنّ “من هو مثلي لا يجد صعوبة في الحصول على عمل فحسب، بل كذلك في الزواج وتكوين أسرة”.
وتتضاعف معاناة مرضى الصرع في المناطق الريفية والنائية باليمن، نتيجة عدم توفّر مراكز وعيادات متخصصة لعلاج الأمراض العصبية هناك، الأمر الذي يدفعهم إلى الانتقال إلى صنعاء. محمد يحيى يبلغ من العمر تسعة أعوام من بين هؤلاء، وهو من ريف محافظة المحويت، غربيّ البلاد. يقول والده يحيى لـ”العربي الجديد”: “ننتقل إلى صنعاء بين الحين والآخر لنعالج ابننا في إحدى العيادات الخاصة، على الرغم من الأوضاع الاقتصادية السيّئة التي نمرّ بها، من جرّاء استمرار انقطاع راتبي الحكومي منذ نحو ثلاثة أعوام”. ويشير يحيى إلى أنّ “ثمّة جمعيات خيرية كانت توفّر أدوية الصرع لطفلي، لكنّها توقفت عن ذلك قبل عامَين بشكل مفاجئ”، معبّراً عن أمله في إنشاء مراكز متخصصة بعلاج الصرع في المحافظات وتوفير الأدوية للمرضى مجاناً. ولا يخفي يحيى أنّه “سبق أن لجأت إلى بعض المعالجين بالقرآن لمعالجة ابني، وقد نصحني كثيرون بذلك في محافظة ذمار (غرب) بعد شكوك بأنّه مصاب بالسحر أو العين. لجأنا مراراً إلى ذلك لكنّ ذلك لم يغيّر شيئاً”.
في السياق، تقول المتخصصة الاجتماعية والنفسية هند ناصر لـ”العربي الجديد” إنّ “ثمّة أسراً تحاول إخفاء إصابة أبنائها بمرض الصرع، خوفاً من الوصمة المجتمعية. كثيرون هم اليمنيون الذين يملكون مفاهيم خاطئة حول هذا المرض، ويعدّون المصاب به واقعاً تحت تأثير السحر والشعوذة أو مريضاً نفسياً، وهذا ما يزيد من معاناة المرضى ويقلل من فرص نجاح علاجاتهم”. وتطالب ناصر “السلطات الصحية في البلاد بإنشاء مراكز متخصصة لعلاج مرضى الصرع، والعمل على دمجهم في المجتمع، بالإضافة إلى تنفيذ حملات إعلامية لتوعية المجتمع حول طبيعة المرض وكيفية التعامل مع نوبات الصرع المفاجئة التي قد تحدث في أيّ وقت ومكان”. وتؤكّد ناصر أنّ “أوضاع مرضى الصرع في اليمن زادت سوءاً في خلال الأعوام الماضية من جرّاء الحرب”.
من جهته، يؤكد مدير الصحة النفسية في وزارة الصحة في صنعاء، الدكتور جمال اللوزي، لـ”العربي الجديد”، أنّ “الصرع مرض مزمن يصيب الجهاز العصبي وليس مرضاً نفسياً مثلما يظنّ البعض، وهو يصيب مختلف الأعمار، فيما يستطيع المريض التعايش معه بشكل طبيعي، شريطة اتباعه تعليمات طبيبه المعالج”. يضيف أنّ “الحرب المستمرة في البلاد أسهمت في تفاقم حالات المصابين بالصرع وتسببت في غياب الأدوية الخاصة بعلاجه وكذلك ارتفاع أسعارها في حال توفّرت”. ويؤكد اللوزي أنّ “مرضى الصرع لا يعانون وحدهم من حالتهم الصحية، إنّما أسرهم كذلك كونها تعيش في حالة قلق مستمرّ على أبنائها، خصوصاً عند خروجهم من المنزل”.