فكر وثقافة

الفيلم القصير «بائعة الورد»… طفولة ضائعة تجسد مأساة الحرب

الفيلم يستحضر معاناة الأطفال المحرومين من حقوقهم، بل إنهم يحاولون تحقيق بعض الحقوق لآبائهم، وهنا تأتي قوة قصة الفيلم، حين قلب المعادلة فجعل طفلة صغيرة تجد وتكد من أجل توفير قوت لأبيها المقعد وأختها الصغيرة

يمن مونيتور/القدس العربي

صارت الأفلام القصيرة تفرض نفسها شيئا فشيئا في الملتقيات والمهرجانات، ذلك أنها حين تحترم معايير درامية وإخراجية تصير بمثابة أفلام طويلة من حيث التأثير، فهي تقدم موضوعها مركزا، بدل إحاطته بأحداث تستغرق مدة طويلة يتحول عبرها الفيلم من قصير إلى طويل، علما أن لكل منهما شروط ومعطيات يلتزم بها. ومن بين الأفلام التي لها أعمق الأثر فيلم بعنوان «بائعة الورد»، من تأليف وإخراج أحمد الهريسي، أداء إيفان صوايا، الطفلة دلع الحي، إيلي بيطار والطفلة آية الحي. إنتاج عام 2016.
الحكاية
الفيلم يستحضر معاناة الأطفال المحرومين من حقوقهم، بل إنهم يحاولون تحقيق بعض الحقوق لآبائهم، وهنا تأتي قوة قصة الفيلم، حين قلب المعادلة فجعل طفلة صغيرة تجد وتكد من أجل توفير قوت لأبيها المقعد وأختها الصغيرة، فيظلان قابعين في البيت والطفلة في الطرقات تبحث عمن يشتري منها وردات مقابل دريهمات، لتصير الفتاة إلى جانب الورد وسيلتين لإدخال السرور على القلوب على حسابهما.
قبل بداية الفيلم نستمع إلى خطاب كالتالي «في زمن الحرب يشيخ الأطفال، وتفقد الطفولة اسمها ولا يبقى شيء من آثارها» خطاب يلخص ما أشرنا إليه حين يصير الأطفال في خط مسؤولية الكبار، والشيخوخة هنا تعني إسناد أعمال شاقة إليهم ليقوموا بها وهم لا يستطيعون أو يتعرضون لمخاوف واغتصابات وهم الأبرياء الذين نحقق عبر مساعدتهم معاني الإنسانية. خطاب يتزامن مع مشهد قصير يبدي امرأة تمسح بيدها على قبر مظهرة أساها وقلقها على صاحبة هذا القبر. وهو قبر الطفلة الهالكة وهي تسعى من أجل تأمين مصروف لأبيها وأختها. وبقدر ما يجسد الفيلم المأساة يحاول أن يبرز الجانب الإنساني الذي لن يخلو منه المجتمع مهما ساءت الظروف واستفحلت الحروب، فبينما كانت الطفلة تبحث جاهدة من أجل بيع وردة أو وردتين يستميل منظرها الموسوم ببراءة الطفولة امرأة في مقهى فتنادي عليها كي تؤنسها وتتعرف على أحوالها، وحين تذكر لها اسمها «قمر» تقول لها الطفلة مبدية لباقتها وذكاءها، وهي ترغب في أن تشتري منها وردة قائلة «أنت وردة فلا تحتاجين إلى شـــراء الورد» تحضنها وتجلسها معها وأمامها أكلة شهية، وتهبها وردة هدية لها ويوضع الطعام أمامها وهي تأكل ثم تتذكر أباها المقعد المريض وهو يداعب خصلات شعرها، وهنا ينشأ حوار داخلي للمرأة وهي تحس بأن قمر أكبر من سنها، وأنها طفلة حولتها الحرب إلى الضحية التي لا ذنب لها سوى كونها في زمن حروب لا تعرف معنى للحب والرحمة.
تأثير المتناقضات
ومن عوامل قوة الفيلم اعتماده على الحوارات الداخلية التي تترجمها الصور فتتضاعف جــــرعة التأثير على المشاهد.
ترافقها المــــرأة إلى سيارتها كي تذهبـــا إلى منــــزلها لتتعـــــرف على أحــــوالها التي دفعت بها كي تجوب الشوارع وحيدة وهي في كل لحظة قد تكون ضحية اغتصاب أو اعتداء أو قتل حتى.
في البيت، وجدت أب الطفلة مقعدا مريضا طريح الفراش يتحدث عن عوزه وحاجته، مما جعله يسمح لابنته ببيع الورد وقد ماتت أمها، ما دفع بها إلى العمل مضطرة وهي تحاول صيانة كرامتها بهذا العمل البسيط بدل طلب الصدقات من هذا أو ذاك. والفيلم من هذا المنطلق، مبني على تناقضات ستجعل كل مشاهده مؤثرة، بعد أن صارت المرأة المحسنة تهتم بشؤونهم، لم ترض الطفلة ترك عملها اليومي، وبينما كانت المرأة تعد ليوم الاحتفال بعيد ميلاد، منتظرين عودة الطفلة التي يتوقعون فرحتها العارمة معهم، يدخل بها شخص يحملها وهي جثة هامدة، فبينما كانت تحاول بيع ورودها إذا بسائق متهور يصدمها ليقع ما وقع، فيعود الحزن الذي حاول الجميع إبعاده عن البيت كي يخيم عليه من جديد، كنتيجة حتمية لقوى أكبر من الآمال والأحلام، أو حتى محاولات التحايل على الحياة وقسوتها.s

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى