ما علينا، المهم أن أخانا هذا أعرب عن اعجابه ببعض كتاباتي وامتعاضه من البعض الآخر. وقد أوضح سبب هذا الامتعاض بأن تلك الكتابات مليئة بأفكار وألفاظ تنتمي إلى “العولمة والاشتراكية”.
وصلتني رسالة إلى ماسنجر صفحتي الفيسبوكية من شخص لا أعرفه وليس من أصدقاء صفحتي. وبعد اطّلاعي على صفحته فوجئتُ بأنها من ذلك الصنف الذي نُطلق عليه في العادة وصف “سمك لبن تمر هندي”!
ما علينا، المهم أن أخانا هذا أعرب عن اعجابه ببعض كتاباتي وامتعاضه من البعض الآخر. وقد أوضح سبب هذا الامتعاض بأن تلك الكتابات مليئة بأفكار وألفاظ تنتمي إلى “العولمة والاشتراكية”.
لم أفقه -في بادىء الأمر- طبيعة هذا الاقتران العجيب بين مصطلحَيْ العولمة والاشتراكية، وعلاقة كتاباتي تلك بذلك الاقتران. غير أن بعض دهشتي زال بعد أن فطنت -من خلال حواري السريع معه- إلى أنه يقصد العلمانية وليس العولمة، فقد التبس اللفظان لديه. وقد أدركت بعدها أن هذا الالتباس لم ينحصر في الاصطلاح بل تعدَّاه إلى المفاهيم!
المهم، في آخر المطاف، قلت لأخينا هذا أنني اشتراكي الفكرة وعلماني الرؤية. وأن تلك المعتقدات ليست تهمة ولا جريمة. ولو توافرت لديه فسحة من الوقت والأريحية، لأوضحت له بالتفصيل والتبسيط حقيقة المفاهيم العلمانية والتعاليم الاشتراكية، التي قد يختلف معها إلى أبعد الحدود، ولكنها بالضرورة ليست كفراً ولا جُرماً ولا حتى مثلبة.
غير أن أخانا رفض الانصات لي تماماً، مؤكداً على نحوٍ قاطع أنه يكتفي بما سبق له وأن سمعه -وليس قرأه بالطبع!- عن العلمانية والاشتراكية وغيرها من الاصطلاحات التي اكتظّت بها أُذناه ولم تتسلّل واحدة منها إلى رأسه!
…
الحق أن معضلة أخينا هذا ليست محدودة النطاق، ولا هي محدودة الأثر أيضاً، بل أنها كانت -ولا تزال- سبباً مباشراً ورئيساً في ارتكاب أخطر الجرائم، وبالذات جرائم الاغتيال التي طالت عدداً من رموز الثقافة والسياسة والفكر في عدد من بقاع العالم وخصوصاً في البلاد العربية والاسلامية.
فكم من رأس أو صدر أنفجرت فيه أعيرة نارية من سلاحٍ ضغط على زناده جاهلٌ أرعن له أُذنان فقط وليس ثمة شيء غيرهما على الاطلاق!
وعلى سبيل المثال، في قضية اغتيال المفكر الكبير الدكتور فرج فودة، سأل القاضي القاتلَ عن سبب اقدامه على اغتيال فودة، فردَّ القاتل: لأنه كافر.
– وما أدراك أنه كافر؟
– بسبب كتبه.
– وهل قرأت كتبه؟
– لا.
– لماذا؟
– لأنني أُمِّي!
فهل يحتاج الأمر إلى تعليق قبالة هذه الكارثة: اعتراف القاتل بأنه أُمِّي لا يجيد القراءة البتة. لكنه قتل مفكراً كبيراً بسبب كتبه التي قيل له بأنها تتضمن ما وصف بالكفر الذي استوجب القتل “بلا احم ولا دستور” كما يُقال!
وفي الواقعة الخاصة بمحاولة اغتيال الكاتب الشهير نجيب محفوظ، وخلال النظر في هذه القضية أمام القضاء، راح رئيس المحكمة يسأل الرجل الذي قام بطعن عنق الكاتب الكبير: لماذا حاولت قتل نجيب محفوظ؟
– بسبب الكفر اللي في روايته؟
– أيّ رواية تقصد؟
– أولاد حارتنا.
– هل قرأت الرواية؟
– لا.. بس سمعت أنها رواية كافرة!
سمع! .. سمع فقط! .. سمع أنها رواية كافرة!
وأنا شخصياً لا أدري ما إذا نطق الرجل اسم الرواية: أولاد حارتنا أم عيال حافتنا؟ خصوصاً أنه نطق اسم الكاتب الشهير خطأً لمرتين وليست واحدة، برغم بساطة وشهرة الاسم!
وعادت بي الذاكرة إلى مجريات محاكمة قتلة الرئيس محمد أنور السادات، اثر حديثي مع أخينا الذي جئت على ذكره في مستهل هذا المقال..
ففي تلك المحاكمة سأل القاضي أحد المشاركين في العملية التي أفضت إلى قتل السادات: أنت شاركت في قتل الريٍّس السادات ليه؟
– لأنه علماني.
– يعني ايه علماني؟
– معرفش!
… ولا تعليق على الاطلاق.
…
إن الزناد الذي يطلق النار لا تضغط عليه أصبع في غالب الأحيان، انما أُذن.. أُذن فقط!
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.