هذه قصة “القهوة اليمنية” التي لا تغيب عنها الشمس
الإجابة عن هذه الأسئلة تقتضي الانطلاق من صورة مختزلة عن حاضر القهوة اليمنية.
يمن مونيتور/القافلة السعودية
أن تكون بذور البُن قد ظهرت أولاً بين النباتات البريَّة في القرن الإفريقي، فإن مشروبها بدأ في اليمن وكذلك زراعتها. فما سرّ تفرُّد اليمن بجودة نبتة القهوة؟ ولماذا احتكرها اليمنيون زمناً طويلاً وكيف؟ وكيف وصلت إلى العالم مشروباً ثم زراعةً؟ وماذا تعني لحركته الفكرية والثقافية عبر محطات تاريخها؟
الإجابة عن هذه الأسئلة تقتضي الانطلاق من صورة مختزلة عن حاضر القهوة اليمنية.
تصحو مقاهي صنعاء القديمة باكراً جداً، لتنتظم على طاولاتها وجوه مختلفة الأعمار والمهن، تتناول مشروب القهوة صباحاً وظهيرة ومساءً.
هذا الحضور للمقاهي والقهوة في قلب العاصمة اليمنية يعبِّر بأمانة عما هو قائم في كل مدن اليمن وأسواقها وقراها وخيام بدوها ومجالس حضرها. فلا توجد مدينة صغيرة أو كبيرة إلا وتجد على الطرق والمداخل المؤدية إليها مقاهي عديدة. أما في القرى فلا يخلو مجلس أي بيت من موقد القهوة الراسخة والجاهزة على مدى النهار. بل يتعهد أرباب الأسر خصوصاً كبار السن بأنفسهم إعداد أي نوع من أنواع القهوة اليمنية، وحسب عُرف كل منطقة، لإكرام كل من يحل عليهم ضيفاً بكؤوس القهوة كأول شراب يتناوله الضيف، ولقبوله أو رفضه دلالات اجتماعية تختلف باختلاف ثقافات المناطق اليمنية التي لا يتسع المقام هنا لتناولها.
تنوُّع في تحضير القهوة لا مثيـل لــه في أي مكان آخر وتتعدَّد في اليمن أنواع القهوة وطرق تحضيرها. ويكفي للدلالة على هذا التنوُّع أن نعدِّد بعضه:
القهوة العربية السوداء (البن الصافي)، يحضر هذا النوع من القهوة في أغلب مناطق اليمن، وفق مكونات يرتكز جلها على أنواع البن المزروعة في المناطق الجبلية لجودتها العالية، وذلك بعد التقشير والتحميص. ويسمى هذا النوع من القهوة “البن الصافي”، وتكون سوداء اللون لتركيز مسحوق البن المحمص، ونادراً ما تكون بلا سكر.
قهوة القشر (القهوة المر)، لقهوة القشر حضورها في حياة المجتمع اليمني، ولا تزال حتى اليوم مشروب المجالس الأول خصوصاً في الأرياف، حيث يُعد القشر أهم سلعة تجلب من الأسواق المحلية حتى لأبسط الأسر وأقلها دخلاً. وقد وردت قهوة القشر في أجناس الأدب الشعبي شعراً ونثراً وأمثالاً وأغنيات. ولها “قهاوجة” (طهاة) مَهَرَة، وكثيراً ما يتعهد كبار السن بأنفسهم إعداد هذه القهوة عبر نقع قشور البن في الماء لوقت طويل. وتظل القهوة المر في دِلالِها وجمانِها، على نار تعد في المواقد المصنوعة من الفخار، ونادراً ما تضاف إليها توابل أخرى كالزنجبيل أو القرفة أو الهال.
القهوة الحضرمية، تُقَدّم القهوة الحضرمية في الأفراح والمآتم كأبرز مشروب يتناوله الخاصة والعامة على مدار السنة. وتزداد أهميتها، في فصل الشتاء، فهي دافئة تقاوم نزلات البرد والتهاب اللوزتين. وتحضر هذه القهوة من نصف لتر من الماء، ونصف ملعقة من الزنجبيل، وملعقة قرفة مطحونة، ونصف ملعقة هيل مطحون، ونصف كوب سُكَّر بُنِّي، ونصف كوب سُكّر أبيض، ونصف كوب زبيب أسود، وأحياناً كوب عسل طبيعي بدلاً من السكر والزبيب. ثم يتم غلي الماء على نار هادئة مدة نصف ساعة، إلى أن تنحسر كمية الماء ويتحوَّل لون القهوة إلى بُنِّي داكن، ثم تُصفّى إلى الفناجين، عبر مصفاة تصنع كغطاء “للدلة” أو “الجمنة” من عذق النخل، لإمساك الشوائب والقشور.
القهوة الصنعانية، وتتفرع هذه القهوة إلى أنواع عديدة، أشهرها “قهوة الوالدة”، وهي قهوة تعتني النساء بتحضيرها من سُكَّرْ النَباتْ (قطع كبيرة من بلورات السكر)، ويضاف إليها أيضاً شراب “عِنَّابْ”، “برير”، “قِشْر”، “ينسون”، “شمّار”، و”قرفة”.
القهوة البيضانية، سميت بذلك نسبة لمدينة البيضاء اليمنية، وللونها الأبيض. ويقتضي تحضيرها توخي الدقة في تدرج وضع المكونات: (كأس من السمسم المحمص- ثلاثة إلى أربعة كؤوس ماء- ثلاثة كؤوس حليب مركز- ملعقة هيل- ملعقة قرفة- ملعقة زنجبيل مطحون- كوب أو كوبان سكر، وأحياناً تكون بدون سكر). ويستمر غلي المكونات الأولى لعشر دقائق حتى يتناقص الماء ويتبخر. ثم تضاف كمية الحليب، وتظل فوق النار لخمس دقائق إضافية، ثم تضاف ملعقة من البن المحمص، وتترك على النار أقل من دقيقتين، وتُقَدّم ساخنةً.
القهوة العربية بالتمر، عرفت شبه الجزيرة العربية ومنها اليمن، قهوة التمر العربية، خصوصاً المناطق الساحلية والسهلية الغنية بزراعة النخيل. وتحضر هذه القهوة من ثلاث حبَّات من التمر المهروس، بيضة، نصف ملعقة فانيليا، نصف ملعقة باكينج باودر، أربع ملاعق من دقيق البر الناعم، ثلاث ملاعق بن متوسط التحميص، ربع ملعقة زنجبيل، وملعقة قرفة. وتخلط هذه المكونات بماء ساخن (كوب) في صاج ذي سطح مصقول زيتي يمنع التصاق القهوة، ثم يُصب فوق هذه المكوّنات نصف لتر ماء ساخن، ويغلى على النار لمدة نصف ساعة. وبعد ذلك، يُصب هذا المزيج في دلة تحتوي على ملعقة بن مطحون، وملعقة هال مطحون.
قهوة العسل والذِّرَة، يسمى هذا النوع من القهوة اليمنية “قهوة علان”، وتروج بشكل خاص في أول موسم الحصاد في مرتفعات اليمن الغربية والمناطق الوسطى، وتحضَّر من البن الأحمر القاني عند بداية نضجه، وحبوب الذرة الرفيعة الخضراء، وكوب من العسل الطبيعي. وغالباً ما يحتسيها الكبار من الرجال.
التصنيف الزراعي للبُن
زراعياً، ثَمَّة أربعة أنواع رئيسة من البُن سائدة في العالم، وهي: التُفَّاحي، والعُديني، والبرعي، والدوائري. ولكل نوع خصائصه الشكلية، ومميزاته البيئية والإنتاجية. وتتوزَّع هذه الأنواع الأربعة على أسماء محلية، مثل: الحمَّادي، والحرازي، واليافعي، والآنسي، والحرازي، والحيمي، والخولاني، والبرعي، والريمي، والحواري، وغيرها. وكلها تتسم بالجودة العالية الصادرة عن الطبيعة اليمنية البكر التي تُعد، بتنوُّع تضاريسها، الأكثر ملاءمة لزراعة أنواع القهوة الأربعة على مستوى العالم، وبفوارق دقيقة يدركها المزارعون اليمنيون.
فبعض الأنواع يتطلَّب قدراً معيَّناً من الارتفاع ووفرة الماء. وبعضها يتحمَّل الجفاف. وبعضها يفضّل الهضاب. وبعضها يفضّل الأودية الجارية. لكن العامل المشترك في هذه الفوارق هو اعتدال الجو على مدار السنة، فلا شتاء قارس البرودة يجمّد الشجرة بالصقيع، ولا صيف شديد الحرّ يُضْعِف جودة المحصول بالرطوبة. ناهيك عن المهارات التي ورثها المزارع اليمني أباً عن جدٍّ، فاستوعب مواقيت الزراعة، بذاراً ورعايةً وحصاداً، وأصول جني الثمرة مرحلياً لمواكبة التدرج الطبيعي لنضج المحصول خلال موسم الحصاد، حيث يجني المزارع الثمار قانية اللون (الحمراء). وبعضهم ينتظر حتى يصير لونها بين البنفسجي والرمادي الداكن المشارف على الوصول إلى اللون البُنِّي الغامق. وفي كل مرة تُجنى كميّة لا تخلط بسابقتها، بل تجفف مستقلة، بعد عزل الثمار التي تتساقط من ذاتها، لأنها مشبعة بالرطوبة.
جدل المنشأ ودوافع الاحتكار
تعيد بعض الأساطير الشعبية اكتشاف البن إلى راعٍ من أسلاف شعب الأورومو الذي كان يقطن قديماً المنحدرات والهضاب الجنوبية الغربية للوادي المتصدع في إثيوبيا. فيقال إن هذا الراعي لاحظ تيساً يتصرف بطريقة غريبة من الحركة والنشاط، فظل يراقبه في المرعى حتى رآه يأكل أوراق وحبوب شجرة البُن، فتذوق ثمارها، وأدرك خواصها. ومن وقتها تناولها الأحباش مضغاً، ثم تحوَّل تناولها بعد زمن طويل إلى شراب منقوع.
وفيما يعود أول ذكر لمحصول القهوة باسم (البُن اليمني) إلى الطبيب العربي ابن الرازي في عام 900، تشير بعض المخطوطات إلى أن علي بن عمر الشاذلي المتوفي في المخا عام 1418 هو أول من نقل بذور القهوة من جنوب غرب الحبشة إلى اليمن، وأول من احتساها كمشروب. وذكر الحنبلي في كتابه “عمدة الصفوة في حل القهوة” أن جمال الدين الذبحاني المتوفي سنة 1470 هو أول من زرع القهوة في اليمن، بعد خروجه من عدن إلى بر العجم (إفريقيا أو إثيوبيا حالياً)، فوجد أهله ينقعون ثمر البُن فيشربونه، فشرب منه، فوجده يهدئ الآلام، ويقاوم النعاس ويمنح الجسم خفة وحضوراً ذهنياً.
المؤكد أن القرن الخامس عشر الميلادي شهد الانتشار الحقيقي لزراعة البُن وشرب القهوة على المستوى المحلي اليمني، وتحوّل محصول القهوة إلى سلعة طُرحت في الأسواق لغرض التبادل التجاري. ثم تطوَّر الحال إلى تخصيص أسواق جديدة لهذا المحصول، سميت أسواق القشر أو البُن، وتركزت في المدن الرئيسة والثانوية، عبر مناطق اليمن المشهورة بزراعة البُن. ثم حضرت هذه السلعة بقوة في الأسواق الكبيرة التي كانت تعقد في الموانئ التجارية، مثل موانئ “المخاء” و”الحديدة” و”اللحية” و”عدن” و”شقرة” وغيرها، لتسويق محصول القهوة محلياً عبر هذه الموانئ. فصارت تبعاً لذلك عملية زراعة البن وإعداد ثمارها وتجهيزها وتقشيرها وتحميصها للأسواق المحلية جزءاً لا يتجزأ من نشاط اليمن الاقتصادي الداخلي.
وبحكم موقع اليمن الجغرافي التجاري والملاحي، الذي جعلها ممراً للرحالة الأجانب والتجار الذين يجوبون الشرق والغرب، فقد تزايد الإقبال على شراء القهوة، ليأخذ محصولها طابعاً تجارياً واسعاً كسلعة ثمينة.
ومع تنامي إدراك اليمنيين للقيمة الاقتصادية للقهوة والمستقبل الذي ينتظرها شرقاً وغرباً، استشعروا خطر إمكانية نقل زراعتها إلى خارج اليمن، ما دفع السلطات في القرون السابقة إلى إحكام السيطرة على زراعة محصولها، بفرض قوانين صارمة تصل فيها عقوبة من يحاول تهريب البذور إلى حكم الإعدام. وابتكروا آليات دقيقة لإبطال صلاحية النواة للزراعة خارج اليمن، إما بالغلي أو التقشير (فصل القشرة عن النواة)، ثم تحميص النواة، أي إحراقها وتحريكها على نار تتراوح درجتها ما بين 180 و240 درجة مئوية، ولمدة 20 دقيقة.
ويترتب على هذه العملية إبطال صلاحية النواة للزراعة، والحصول على الجودة والنكهة المطلوبتين. والتلوين المتدرّج من اللون السُّكّرِي المائل للأخضر (البيج)، إلى البُنِّي الفاتح، إلى البُنِّي المائل للرمادي، إلى البُنِّي الغامق، إلى البُنِّي القريب من السواد. كما يصبح من الممكن التحكم بدرجة الطحن بين دقيق ناعم، ومحبب متوسط، ومحبب عالٍ. ويكون التحميص إما منزلياً يقوم به المزارع، أو تجارياً بواسطة أيدٍ عاملة بسيطة تقليدية. وهكذا احتكرت اليمن زراعة القهوة على مدى نحو ثلاثمئة سنة، من القرن الخامس عشر حتى القرن السابع عشر الميلادي.
كانت أول محطة تصلها القهوة اليمنية كمشروب خارج اليمن، هي مكة المكرمة عام 1490 وبكميات قليلة للاستخدام الشخصي عبر الحجيج. ثم تحوَّلت بعد ذلك إلى مشروب مرغوب في أنحاء كثيرة من الحجاز. وعلى أيادي طلبة العلم اليمنيين، وصلت القهوة إلى جامع الأزهر، ومنها انتشرت إلى مصر كلها عام 1500. فيما نقل أوزدمير باشا – والي السلطات العثمانية في اليمن- القهوة إلى إسطنبول عام 1517 في عهد السلطان سليم الأول (1501-1520). ومن إسطنبول انتقلت إلى أوروبا على أيدي الأتراك. لكن مراجع أخرى تعيد وصول القهوة اليمنية إلى أوروبا إلى البرتغاليين الذين غزوا السواحل الغربية لليمن عام 1507. واستضافهم شيخ مدينة المخا بشراب القهوة، فاستحسنوا مذاقها ومفعولها، وكانوا أول من نقلها إلى أوروبا عبر ميناء المخا، الواقع على مسافة 40 ميلاً بحرياً شمالي باب المندب.
(موكا كافي).. وانتشار القهوة
تشير الباحثة اليمنية أروى الخطابي، في كتابها “تجارة البُن اليمني” إلى أن العثمانيين عندما تمكنوا من طرد البرتغاليين من سواحل البحر الأحمر بشكل كامل في عام 1538، بدأوا عهداً جديداً من التجارة، عبر موانئ البحر الأحمر، وبالتحديد انطلاقاً من ميناء المخا. وهو الاسم الذي تحوَّل إلى ماركة عالمية: (MOCKA COFFEE)، وقد ظهر هذا الاسم للمرة الأولى في اللغة الإنجليزية في عام 1598، وهو يعني “بُن المخا”.
في بداية القرن السابع عشر الميلادي، بدأت أنظار التجَّار الغربيين وحكومات بلدانهم بالتنبه إلى القيمة الاقتصادية الكبيرة التي ينطوي عليها هذا المحصول اليمني.
ففي عام 1609، زار المخا الرحالة الأوروبي جورداين وتوقَّع رواجاً تجارياً أكبر لمحصول البُن اليمني، فيما نبّه التاجر الهولندي بيتر فان دن بروكه الهولنديين إلى الأهمية التجارية للبُن اليمني في عام 1616. ووصف الرحالة الإيطالي البرتغالي جيرونيمو لوبو -الذي أبحر في البحر الأحمر عام -1625 ميناء المخا بأنه مرفأ لجميع السُّفن العابرة في مياه البحر الأحمر ومركز دفعها لضريبة العبور.
و في عام 1628 أبحرت أول شحنة من محصول البُن اشتراها الهولنديون من المخا إلى مراكزهم التجارية في شمال غربي الهند وبلاد فارس. وفي أواخر عام 1633، بعث التاجر الهولندي يوهن كرستزون رسالة إلى مدير شركة الهند الشرقية في سورات بالهند، واصفاً له ازدهار تجارة البُن وتصديره إلى العالم من أهم مرافئ البحر الأحمر المخا. فبدأت الشركة باستيراد البُن إلى مستعمرات هولندا غرب الهند وفارس. وعلى الرغم من أن إنجلترا عرفت القهوة في 1650، إلا أن محصول البُن لم يظهر في قوائم الشركة كسلعة تجارية في أسواق لندن إلا في عام 1660. وفي العام 1661 وصل البُن إلى هولندا بكميات غير تجارية، ولكنه راج بسرعة بدءاً من العام التالي.
أدَّى انتشار “بُن المخا” ذي الجودة العالية في الأسواق العالمية إلى اشتعال المنافسة على الميناء من قبل الشركات الهولندية والفرنسية والبريطانية. فقام الهولنديون بإنشاء معمل للبـُّن في مدينة المخا عام 1708، وفي العام 1720 أنشأ الفرنسيون معملاً آخر، مما خلق نشاطاً اقتصادياً بفعل الحركة التجارية بين ميناء المخاء، وموانئ الهند ومصر وبور سودان وإسطنبول وأوديسا في روسيا. واستمر ذلك الحضور التجاري العالمي حتى أواخر القرن التاسع عشر مع ازدهار ميناء عدن الذي اهتم به البريطانيون.
استزراع القهوة عالمياً
بعد أن عرف الأوروبيون جدوى زراعة البُن الاقتصادية قياساَ على ما ينفقونه على استيراده سنوياً، وقياساً على الفجوة القائمة بين العرض اليمني من المحصول والطلب العالمي عليه، ظلَّ شغلهم الشاغل محاولة تهريب البُن لزراعته. وفشلت محاولات كثيرة، إلى أن تمكَّن الهولنديون من تهريب كمية بسيطة من البذور الصالحة للزراعة المخبأة في قطعة قماش، من ميناء المخا إلى مستعمراتهم في أرخبيل إندونيسيا وسريلانكا. فزرعوا القهوة لأول مرَّة في سريلانكا عام 1658. وفي إندونيسيا (جاوه) عام 1696.
وفي عام 1711 تم تصدّير أول شحنة من البُن المزروع خارج اليمن، إلى أوروبا. وتمكَّن الهولنديون بعد ذلك من زراعة شتلات القهوة في بيوت زجاجية تحفظ الحرارة في أمستردام. وفي عام 1714، قدَّم عمدة المدينة ثمار هذه النبتة هدية لملك فرنسا لويس الرابع عشر، وفي عام 1715 زُرع البُن في هايتي وسانتو دومنجو في أرخبيل الأنتيل. ثم في جزر المارتينيك والبرازيل في عام 1723، ولاحقاً في أماكن كثيرة من أمريكا الوسطى. بحيث لم تعد الشمس تغيب عن أشجار البن المنتشرة في أنحاء المعمورة، التي خرجت ذات يوم من أرض اليمن.
اقتصاد القهوة ماضياً وحاضراً
وصل الإنتاج العام من محصول القهوة – حسب المراجع التاريخية – في القرنين (17-18) إلى ما يقارب الأربعين ألف طن سنوياً، لتصدِّر اليمن منها ما بين 30 و35 ألف طن سنوياً، إلى وجهات وأسواق عالمية كبرى في دول الغرب والشرق. واستمرت شهرة اليمن العالمية والاقتصادية مرتكزة على تجارة محصول القهوة حتى أواخر القرن التاسع عشر. لكن محصول الثروة السمراء شهد تراجعاً بعد ذلك بسبب الحروب التي شهدتها سواحل البحر الأحمر، كالحرب العثمانية الإيطالية عام (1911)، والحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وغيرها من الحروب التي تزامن معها ظهور منتجين جدد للبن في العالم. بيد أن هذا التراجع لم يلغ محورية تجارة القهوة في بناء الاقتصاد اليمني، في عهد الدولة المتوكلية (1918-1948). وخلال الحرب الأهلية التي شهدتها اليمن في ستينيات القرن الماضي. تأثرت زراعة القهوة اليمنية لتشهد بعد ذلك في عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات اهتماماً ورعاية على المستويين الشعبي والرسمي، فتصاعد مؤشر الإنتاج والتصدير خصوصاً مع دخول أسواق الخليج وبالذات المملكة العربية السعودية، على خط الوجهات التسويقية. وفي هذا السياق يشير تقرير النمو الاقتصادي الصادر عن البنك الدولي إلى أن صادرات اليمن من محصول القهوة بلغت نهاية 1999 نحو 43.3 مليون دولار أمريكي، حازت المملكة العربية السعودية ما نسبته %85 من تلك الصادرات، إذ بلغت الصادرات للسوق السعودية نحو 29 مليون دولار أمريكي في نفس العام. وتستورد السعودية ما نسبته %30 من احتياجات سوقها من اليمن، كما أن نصيب اليمن في سوق البن في مجلس التعاون الخليجي ككل لا يزال يحتل المركز الرابع بنسبة %9.2 من السوق الخليجية، بعد إثيوبيا %37 والهند %13 وإسبانيا %12.
ولا تزال السوق السعودية اليوم الوجهة الأهم للصادرات اليمنية من محصول القهوة المتميِّز، حيث تُعد السعودية تاسع أكبر مستهلك للقهوة في العالم، حسب المنظمة العالمية للبن (القهوة). فيما تؤكد مؤشرات الواردات السعودية من محصول القهوة خلال الأعوام الخمسة الماضية أن السعودية استوردت 355.6 ألف طن، بقيمة إجمالية تجاوزت 5.4 مليار ريال. لافتة أن اليمن تحتل المركز الخامس بين مصادر الاستيراد بعد إثيوبيا، والبرازيل، والإمارات، وماليزيا.