مؤخرا بدأت في قراءة كتاب “السيرة مستمرة” للدكتور أحمد خيري العمري فوجدت أنه كتب السيرة كما كنت أرغب أن أجدها في ضوء تلك الشروط متحققا بأغلبها.. أستطيع الآن أن أقول لابني أني قد وجدت كتاب السيرة الذي أنصحه بقراءته، الكتاب الذي يعرفه بنبيه بصورة عاطفية وعقلانية في نفس الوقت.
قبل سنوات وأثناء انتشار الرسوم التي تسيء للنبي عليه السلام أو بالأصح تسيء لنا نحن الأحياء كنت قد كتبت مقالا بعنوان “أعيدوا كتابة السيرة النبوية” وطرحت عشر نقاط نحتاجها في كتابة السيرة النبوية التي تخاطب العالم، ومع مروري تقريبا على أغلب ما كتب في السيرة النبوية من الكتب المعاصرة إلا أنها لم تفي بالحاجة ولم تشبع تصوري حول السيرة.
مؤخرا بدأت في قراءة كتاب “السيرة مستمرة” للدكتور أحمد خيري العمري فوجدت أنه كتب السيرة كما كنت أرغب أن أجدها في ضوء تلك الشروط متحققا بأغلبها.. أستطيع الآن أن أقول لابني أني قد وجدت كتاب السيرة الذي أنصحه بقراءته، الكتاب الذي يعرفه بنبيه بصورة عاطفية وعقلانية في نفس الوقت.
العمري في هذا الكتاب لا يسرد فقط وإنما يحلل ويناقش ويتتبع ما في ذهنك من أسئلة ويحاول أن يقدم لك إجابة منطقية، يربط بين الأحداث فلا تشعر بانفراط عقدها، تعيش روح الأحداث وتعيش مسميات الأسماء، لا ينسى أن يضع لك الصورة العامة قبل أن يدخلك في تفاصيلها، يعطيك المفاتيح فتجد الأبواب أمامك مفتوحة.
في الكتاب جهد واضح في ترتيب الأحداث وبحث تفاصيلها من مراجع مختلفة، وفيه منهجية تزواج بين منهج المحدثين في السند وبين العقلانية التي تستطيع أن تختبر الأحداث من منطقها الداخلي.
للعمري لغة أدبية جميلة، وقل أن تجد من يشتغل على المنطق العقلاني وفي نفس الوقت يمتعك بالعبارات التي تشعل عاطفتك ولا تزيح عقلك.
لست أدري لماذا تمنيت أن يكون اسم الكتاب “في ظلال السيرة” إنك فعلا تعيش في ظلالها، ولو كان لي من الأمر شيء لغيرت اسمه بهذا العنوان فهو أقرب للروح ولمادة الكتاب..
الكتاب يتحدث فقط عن العهد المكي ونتمنى أن يكتمل جزأه الثاني عن العهد المدني وربما سيكون فيه الجهد أكبر والعمل أصعب نظرا لكثرة أحداثه المفصولة عن سياقها.
أما المعايير أو النقاط التي كنت طرحتها من أجل كتابة معاصرة للسيرة النبوية فهي:
1. كتابة السيرة النبوية في ضوء شخصية النبي عليه الصلاة والسلام في القرآن، وأبرز ما جاء في شخصيته ما لخصته الآية الكريمة من هدف لرسالته، يقول تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء : 107، فكل حدث أو قول منسوب إليه في الروايات التاريخية يخالف مقصد الرحمة فهو مدسوس عليه ولا يصح، وما أكثر دواعي الوضع، وبإمكانكم قراءة أسباب الوضع في الحديث.
2. تنزيل النص القرآني على أحداث ووقائع السيرة بهدف إلغاء حالة الفصام بين كتب السيرة والقرآن الكريم.
3. حذف ما تسرب من الاسرائيليات إلى كتب الحديث فصارت تروى على لسان النبي عليه السلام.
4. إعادة تزمين أحداث السيرة المتناثرة في كتب الحديث، بهدف كتابة سيرة متكاملة تشمل حياته عليه السلام من مختلف جوانبها لا الحربية فقط.
5. كتابة السيرة النبوية في ضوء بشرية النبي عليه السلام، وإزاحة ما أضيف إليه بدواعي المبالغة التي تفقده بشريته ولا تجعله في موضع القدوة، وهذا يتم عبر فصل ما كان في حياته اجتهادا منه وما كان وحيا، أما جعل كل ما يصدر منه من قول أو عمل من الوحي، فإن ذلك يخالف القرآن أولاً، ويخالف كونه بشرا ارتقى بنفسه، وصار محلا للاقتداء.
6. كتابة فلسفة النبوة كمقدمة مهمة لكتابة السيرة النبوية، إذ لا يخفى ما يحصل اليوم بعد ثورة الاتصالات من أسئلة تقض عقل المسلم المعاصر عن حاجتنا للنبوة والأنبياء، وعن فلسفة ختمها واختيار الزمان والمكان واللغة التي ختمت به الرسالات. فالمكتبة الإسلامية اليوم للأسف تكاد تخلو من كتاب رصين في فلسفة النبوة.
7. كتابة السيرة النبوية بلغة اليوم، إذ لا داعي لنقل النصوص التي وردت في كتب الحديث كما هي، لأنها أساسا نقلت بالمعنى لا باللفظ، وحين نعيد صياغتها بلغة اليوم يكون لها وقعا آخر على المسلم وغير المسلم ممن يريد قراءة سيرته عليه السلام. كما يمكن كتابة السيرة بلغة روائية تكشف نفسيته عليه السلام ونفسية أصحابه وخصومه، وترصد ما لا تستطيع السيرة رصده، إذ في الرواية يستطيع خيال الكاتب أن يسد ويفلسف كثيرا من الأحداث في سياقاتها، وبهذا نحل تلك المشكلة التي نعاني منها في كتب الحديث، وهي نزع الأحداث من سياقاتها، فتبدو وكأنها متناقضة أحيانا أو غريبة.
8. اختيار الأنسب مع شخصيته وسمته مما روى لنا التاريخ من سيرته، فحين يرد خبر يقول بأنه أغار على قوم دون أن ينذرهم، ويأتي خبر آخر يقول بأنه أنذرهم –كما في قصة بني المصطلق-فإننا نختار ما يناسب صفاته كنبي مبلغ، لا كغاز محارب، حتى لو كانت تلك الرواية المناسبة ضعيفة في سندها بشروط المحدثين، إذ علل المتن أخطر من علل السند، ومقدمة في الدرء حين التعارض.
9. استبعاد الروايات التي لا تتناسب مع ما وصفه الله به في كتابه، كتلك التي تقول إنه يحارب ويقاتل ليكره الناس على الدخول في الدين، وتلك التي تجرح في عقله بأن يهوديا سحره فأصبح لا يعرف ما يعمل فربما أتى نساءه وهو لا يعلم، وتلك التي تقول إنه أمر بقتل شخص لمجرد أنه شك في دخوله على مارية ثم تبين له أنه عنين، وتلك التي تصوره وكأنه يحتقر المرأة وأنه وضعها بين الكلب والحمار، وتلك التي تصوره بأنه يقضي ليله في التنقل بين النساء ويطوف على نسائه التسع ونسوا أن الله أمره بقيام الليل نصفه أو أقل منه، وتلك الروايات التي تخالف العقل والمنطق وتخالف ما أرساه القرآن الكريم من قواعد وأصول.
10. أن يلحق بكتابة السيرة -بذلك التصور- أعمال فنية ذات مستوى عال تخاطب العالم كله، كعمل مسلسل للأطفال وللكبار، أو فيلم عالي المستوى بجودة ما قدمه العقاد، أو سيمفونية غنائية ..الخ.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.