عقلية عنيدة متصلبة الرأي والمواقف، تحتمي بالبندقية وأطقم مليشيا وخطاب عنيف يلوح بالقوة والتخوين والتهديد، وحشود تهتف له دون الوطن.
ما الجديد في الحشود الجماهيري، فقد تعود سياسيو هذا البلد على استخدام الحشود كسلاح لفبركة الرأي العام لاغتصاب وطن بأيدلوجيا وتسلط واستئثار، فالسياسي كان معارضا أو في السلطة، يهوى التحشيد ويتباهى بحجم شعبيته المصطنعة، فبركة تلهي تلك الجماهير عن تطلعاتها بدولة ضامنة للمواطنة وحياة كريمة وتنوع مثرٍ لتتعصب لمكونات وأفراد مهما تعددت الشخصيات فالعقلية واحدة.
عقلية عنيدة متصلبة الرأي والمواقف، تحتمي بالبندقية وأطقم مليشيا وخطاب عنيف يلوح بالقوة والتخوين والتهديد، وحشود تهتف له دون الوطن.
في أول خلاف على منظومة إدارة الوحدة اليمنية، كان الحشد والحشد المضاد سيد الموقف، مدعوما بخطاب التأجيج والتخوين والتكفير والاتهامات، ففجر حرب 94م الكارثية، وبعد 94م كلما اشتدت مطالب المعارضة في اصلاح مسار العمل السياسي والديمقراطي وتسوية الملعب، يضيق النظام ذرعا بها، فيحشد هرباً من الاستحقاقات حشود لا ترعى مصالحها، بل مصالح ذلك السياسي الذي يهدد ويتوعد ويلوح بقدرته على الحسم العسكري، فتفجرت براكين ثورة فبراير العظيم، وفي خضم ثورة فبراير كان الحشد الجماهيري للثورة والحشد المضاد للنظام، كان التحريض والتهديد والوعيد، كان الاتهام في أشده، وشيطنة قوى الثورة؛ وكان لابد من شيطنة تؤسس لتحالف شيطاني، فتحالف الانقلابيين على الثورة واستحقاقات التغيير والتحول المنشود، وتفجرت حرب عبثية لا تزال نارها تتوهج وتحرق الأرض التي تصل إليها وتقتل الانسان في طريقها، ولا تزال شيطنة الآخر يصنع تحالفات ويؤسس لانقلابات وحشود تبرر لكل ذلك.
لم تضع الحرب أوزارها بعد، وكيف تضع أوزارها والعقلية هي ذاتها الخبيرة بصناعة الحشود والتفنن في التخوين والترهيب والتكفير، عقلية تعيد انتاج سيناريو ماضينا مع تغيير الشخصيات، بل تعيد الماضي بكل تراكماته وتداعياته، فلا جديد ولا تغيير يذكر، مناضلو اليوم هم تقليد سيئ للقديم، لا استطاعوا ان يكونوا حاضرا بنظرة مستقبلية، ولا قادرين على تغليب العقل والمنطق، بل غارقين في الماضي الجاثم على صدورنا، هم الشيطنة التي تبرر كل الانتهاكات، هم الموت الذي يطاردنا، هم القتلة والمجرمين ذاتهم وإن اختلفت عماماتهم، هم الصراخ والعويل ذاته الناتج عن الحشود المثخنة بخطاب العنف والكراهية والتهديد والوعيد، هم التهييج المعطل للتغيير والدولة والمازم للواقع الأكثر ألماً وحسرة.
الحشود هي أكثر قلقاً، و ماذا بعد هذا الحشد؟ حشد مدفوع الثمن ومبرمج لا يفضي لتغيير حقيقي؛ حشد يشيطن الآخر هو حشد تنافس على السلطة والثروة، ويتركز في مصادر تلك الثروة، يرفع صور وشعارات التمجيد والتهويل، بل يبرر للانتهاكات ويطالب باجتثاث الآخر (المشيطن) المخالف والمختلف، حشد دون وعي لن يرسخ قيم وطنية وانسانية ووطن يستوعب كل ابنائه بمختلف طوائفهم وتوجهاتهم السياسية والفكرية، هذه ليست حشود جماهير، بل هي حشود بأمر السياسي تعبر عن مواقفه وتوجهاته ومماحكته وأجندات التعطيل.
المأمول حشود جماهيرية تخضع السياسي لإرادة الناس في ديمقراطية فيها الشعب مصدر السلطات، لفرض واقع ديمقراطي يضغط على السياسيين ويصحح اعوجاجهم، ويعيد لهم صوابهم لتنفيذ النظم والقوانين التي تسيد المواطنة والعدالة والحرية، وتعزيز ارادة الجماهير ديمقراطيا بوسائل راقية وانتخابات نزيهة، تحد من طغيان السياسي وتضمن سهولة تغييره بإرادة جماهيرية تتطلع لما هو أفضل.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.