كتابات خاصة

مائتا يوم من الحرب

ياسين التميمي

بعد مائتي يوم من الحرب، أراد الانقلابيون تسويق مفهومي الحرب والعدوان بطريقتهم الخاصة والمستفزة أيضاً، فالحرب في نظرهم ليست سوى تلك التي تشنها الطائرات السعودية، والعدوان ليس سوى الطلعات الجوية لطائرات المملكة.

بعد مائتي يوم من الحرب، أراد الانقلابيون تسويق مفهومي الحرب والعدوان بطريقتهم الخاصة والمستفزة أيضاً، فالحرب في نظرهم ليست سوى تلك التي تشنها الطائرات السعودية، والعدوان ليس سوى الطلعات الجوية لطائرات المملكة.
 والأمر ليس كذلك بالتأكيد، فالحرب هي التي قرر المخلوع صالح ومعه الحوثيون شنها على اليمنيين بغية استعادة السلطة وفرض أمر واقع، بعد أن كسرات قاعدة الاجماع والتوافق الوطني.
حربهم تلك هي العدوان الحقيقي الذي يتعين مواجهته بكل قوة، وحان الوقت لكي يفهم الجميع أن التدخل العربي، استدعاه فقط هذا الصلف العجيب الذي أظهره المخلوع صالح، بعد ثلاث سنوات من الإطاحة به، وهذا القدر من الحرص على التشبث بسلطة فلتت من يديه ولن تعود أبداً.
فقد أوعز لفصيل طائفي مرتبط بإيران هي جماعة الحوثي البقاء رأس حربة في العدوان الذي جاء تحت عناوين كثيرة منها القضاء على القوى التقليدية عندما كانت الحرب تدور في عمران، ثم الحرب على “الدواعش” و”القاعدة” و”الإرهاب” عندما تحركت المليشيا باتجاه محافظات الجنوب والجنوب الغربي، والجنوب الشرقي، تحفها رعايةُ المعسكرات التي كان اليمنيون ينظرون إليها باعتبارها جزء من جيش الجمهورية اليمنية.
هذا الجيش خان الأمانة وتصرف كمليشيا طائفية متطرفة، بسبب انتماءاته الجهوية، ونتيجة خضوعه لحملة تحريض داخلية استمرت سنتين، قرر بعدها أن يوجه بمليء إرادته فوهات المدافع والرشاشات صوب مواطني محافظات عدن والضالع ولحج وأبين وتعز وإب ومأرب، وأن يقدم إسناداً هائلاً لمليشيا مكَّنها من البقاء في جبهات الحرب حتى اللحظة.
ذهب المخلوع صالح بعيداً في تحالفه مع المليشيا، وكان يهدف في الحقيقة إلى تأمين حاضنة طائفية تتفق مع طبيعة الاستقطابات التي سادت المنطقة بعد الربيع العربي، وشجعه على ذلك المناخ المعادي للتيار السني في المنطقة، ولأن أمل السلطة معلق بانهيار منظومة الحكم الانتقالي، فقد اختار هذا النوع من الاستقطاب المناطقي والطائفي كذلك حتى يضمن معركة طويلة الأمد يراهن فيها على الوقت وعلى إمكانية تغير الظروف المحيطة بالأزمة اليمنية.
بعد مائتي يوم حدثت تحولات كبيرة في مسار الأزمة اليمنية، لم يعد اليوم الحديث عن ضرورة التكيف مع الواقع الذي فرضته المليشيا والمخلوع صالح، بل عن الطريقة المناسبة التي يمكن أن تساعد الانقلابيين على الخروج من المأزق، وهي فرصة لم تعد متاحة أبداً.
عندما انعقدت مشاورات جنيف كانت عدن في معظمها تحت سيطرة الانقلابيين، أما اليوم فإن نحو 75 بالمائة من الأراضي اليمنية باتت تحت سيطرة الحكومة الشرعية، وفقاً لتصريحات الناطق باسم قوات التحالف العربي، العميد أحمد عسيري.
أطل المخلوع صالح مساء الاثنين عبر قناة الميادين، وهو الظهور الثاني له عبر القناة خلال خمسة أشهر، وبرهن خلال هذه المقابلة أنه أضعف من أي وقت مضى، وأنه فاقد السيطرة ومتوتر رغم رباطة الجأش التي حاول إظهارها فخانته تعابيره وعباراته المهزوزة والانهزامية.
كانت القناة قد استضافت رئيس ما تسمى بـ”اللجنة الثورية”، محمد علي الحوثي، ولا يفهم من ذلك سوى أن الإعلام المرتبط بالفلك الإيراني أرد الاحتفال بخيبة الانقلابيين بطريقته الخاصة.
فهو يريد أن يقول إن الانقلابيين لم يخرجوا من صنعاء بعد، رغم مرور مائتي يوم على الحرب.
في الواقع ليس هذا إنجازاً، فالذي يراه الجميع هو أن التقدم مستمر وأن الانقلابيين يخسرون الأرض ويخسرون معها فرصة البقاء كأطراف سياسية مؤثرة.
لا أعتقد أن التحالف العربي بعد الكلفة الكبيرة التي قدمها حتى الآن مستعد لترحيل مشكلة معقدة إلى المستقبل، في انتظار جولة جديدة من العنف الممول إيرانياً في اليمن.
من الواضح أن التحالف العربي وعلى رأسه المملكة العربية السعودية لم تعد تقبل بالتعاطي مع الحوثيين، ولا ترغب برؤيتهم مرجعية سياسية أو طائفية ولا تريد رؤيتهم مليشيا مسلحة وهذا هو الأهم.
هذا الهدف يتطابق بنسبة مائة بالمائة مع تطلعات الشعب اليمني ولا يجادل في هذا إلا مكابر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى