فكر وثقافة

كتّاب اليمن: الخبز ثمّ الأدب

وفي مقابل بيع المكتبات الخاصة، يقلّ الإقبال على شراء الكتب من قبل القرّاء، إذ يقول الحدّاد إنه “يبيع كتاباً واحداً ويشتري عشرة”، والسبب، حسب رأيه، يتمثّل في كون “معظم القرّاء هم من الكتّاب والصحافيّين، وهم اليوم عاجزون حتى عن سداد تكاليف حياتهم اليومية”.

 يمن مونيتور/العربي الجديد
كان الأمر مفاجئاً بالنسبة إلى الأكاديمي اليمني ناصر علوي، حين اشترى كتاباً من أحد أرصفة بيع الكتب في ميدان التحرير وسط صنعاء فوجد فيه إهداءً بخطّ مؤلّفه إلى كاتبٍ يمني معروف. غير أنه سرعان ما تعوّد على ذلك، كما يقول لـ”العربي الجديد”، مضيفاً: “في الظرف الذي يعيشه اليمن حالياً، يضطرّ كثير من الكتّاب والمثقّفين إلى التخلّي عن الكتب المهداة بكل ما تحمله من قيمة معنوية ورمزية”.
تلك الحادثة تلخّص حال عددٍ من الكتّاب اليمنيّين اليوم، فبعد أن ضاق بهم الخناق في السنوات الأخيرة نتيجة الواقع الذي أفرزته التطوّرات السياسية والعسكرية في البلاد التي تتعرّض لحربٍ من السعودية والإمارات منذ ما يزيد عن أربعة أعوام، لجأ بعضهم إلى مزاولة مهن أخرى بعيدة عن مجال الكتابة؛ مثل المخابز والمطاعم والباصات والأسواق والمزارع، بينما وصل الحال بكثير منهم للتخلّي عن مكتباتهم الخاصة وبيعها بمبالغ زهيدة، من أجل توفير دخل مؤقت، في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور وانقطاع المرتبات منذ أكثر من ثلاث سنوات.
يقول طه الحدّاد، وهو صاحب “مكتبة النهضة الأكاديمية” في صنعاء إن “الكثير من الكتّاب الذين ظلوا يتردّدون على مكتبتنا طيلة خمسة وعشرين عاماً، لشراء مختلف الكتب، أصبحوا في الآونة الأخيرة لا يأتون إلا لبيع مكتباتهم”، ويضيف في حديثه إلى “العربي الجديد”: “يزورني بعضهم كلّ فترة حاملاً معه القليل من الكتب الثمينة، فأضطر إلى شرائها منه لأنني أعرفه وأعرف أنه لم يُفكّر في بيعها إلّا لأنه لم يجد وسيلةً أخرى لتوفير قوت أطفاله”.
وفي مقابل بيع المكتبات الخاصة، يقلّ الإقبال على شراء الكتب من قبل القرّاء، إذ يقول الحدّاد إنه “يبيع كتاباً واحداً ويشتري عشرة”، والسبب، حسب رأيه، يتمثّل في كون “معظم القرّاء هم من الكتّاب والصحافيّين، وهم اليوم عاجزون حتى عن سداد تكاليف حياتهم اليومية”.
من جهة أخرى، أجبر القمع بعض الكتّاب على الصمت والانقطاع عن الكتابة. وخلال أربع سنوات من الحرب، دفعت الحاجة بكثير منهم إلى الفرار خارج اليمن أو تغيير مواقفهم السياسية، وهو ما يشير إليه الكاتب عبد الوهاب الحراسي حين يقول: “في شمال اليمن، غيّر كثير من الكتّاب مواقفهم السياسية والحزبية وبعض قناعاتهم لتأمين لقمة العيش، رغم شحّها. أمّا في جنوبها، فاتخذ بعض حملة الأقلام مواقف سياسية ومناطقية وشعبوية بعيدة عن الوطنية والقومية. وإلى جانب هؤلاء يوجد عدد غير قليل ممّن فضّل مغادرة البلاد”.
وترى القاصة نجمة الأضرعي، أن “بعض الكتّاب اتجهوا إلى تسييس كتاباتهم ليكون لهم نصيب من المسابقات والجوائز التي تقدمها الدولة أو بعض المنظّمات، أو لتحظى بمكان في قائمة المسابقات العربية”، معتبرةً أن “هذا التوجّه يُنذر بإنتاج أعمال تخلو من الحرية”.
وتضيف صاحبة مجموعة “دخان”: “يشكّل نقد الوضع الحالي في اليمن خطورة بالغة على الكاتب، ما أدّى إلى اتجاه الكثير نحو الكتابات الخفيفة التي تخلو من الفكرة”، قبل أن تستطرد: “ربما لا يستطيع من يقضي يومه وهو يذرع الشوارع بحثاً عن قوت أطفاله أن يفكّر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى