كتابات خاصة

القراءة الواعية ومستويات المعرفة

عبدالله القيسي

يتزايد يوما بعد يوم عدد الشباب القارئ في الوطن العربي، وتتزايد المنتديات الثقافية التي تجتمع حول كتاب شهري أو اسبوعي لمناقشته والتوقف عند أهم ما فيه يتزايد يوما بعد يوم عدد الشباب القارئ في الوطن العربي، وتتزايد المنتديات الثقافية التي تجتمع حول كتاب شهري أو اسبوعي لمناقشته والتوقف عند أهم ما فيه، وهي ظاهرة رائعة أظنها إحدى ملامح ثورات الربيع العربي، فالربيع العربي لم يكن ثورة سياسية فقط وإنما ثورة فكرية ثقافية قبل ذلك، وربما هذا ما يجعلنا نحافظ على التفاؤل والأمل في تقدمنا في هذا المضمار رغم الجراح والآلام التي سببتها لنا الثورة المضادة.
خلال الشهر الماضي شاركت ثلاث فعاليات يمنية مهتمة بالقراءة والكتاب، أولها كانت مقابلة مع “نادي اقرأ” حول تجربة القراءة والكتابة، وقد أدهشني نشاط هؤلاء الشباب وإبداعهم في الترغيب بالقراءة والمعرفة.. ثاني مشاركة كانت مداخلة قصيرة لــ”نادي الكتاب اليمني” في ألمانيا، والذين احتفلوا بمرور عام على النادي قرأوا وناقشوا فيه كل شهر كتاب، يدير النادي فريق جميل متناسق نشيط بإدارة الدكتورة سمية الثور .. ثالث مشاركة كانت مداخلة قصيرة لـــ”منتدى الفكر اليمني” في الهند في حفل إشهار المنتدى، والذي يديره مجموعة شباب وجدوا أن لا مناص من نهضة شعوبنا إلا بالمعرفة والفكر، وعلى رأس هذا الفريق الأستاذ عمرو العماري، كنت سعيدا جدا أن يتجه اليمنيون الذين تشردوا خارج بلدهم إلى المعرفة والكتاب والثقافة والفكر، لأنهم بذلك ذهبوا للحفر في أعماق مشكلات العقل العربي ليخرجوا باللؤلؤ الذي يساعدهم في الخلاص من أزماتنا المتعددة والتي يأتي على رأسها أزمة الفكر والتفكير.
مؤخرا أيضا تزايدت علي الأسئلة من أصدقاء على الفيسبوك تدور حول نفس الهم السابق، ماذا نقرأ؟ ما هي أجمل الكتب؟ كيف أبدأ؟ وهي الأسئلة التي تحيرني كثيرا في الإجابة عليها، ذلك أن كل واحد منهم عالما مختلفا في الاهتمام والتفكير والسن والمستوى وربما أعطيه ما لا يناسبه فيكره عالم القراءة، أو يطير بأول فكرة ثم ينظر للعالم كله من خلالها، ووو …الخ.
كل ما سبق جعلني أفكر على طريقة المثل المشهور “علمني الصيد ولا تعطني كل يوم سمكة” وظللت أفكر كيف يمكن أن أعلمهم الصيد، رغم أني لا زلت كل يوم أتعلم الصيد، فقلت في نفسي إذن هي الطريقة ذاتها التي اخترتها في دراسة الدين وتجديد التفكير الديني، وهي التركيز على مقاصد المعرفة والفكر بحيث كلما تهنا في التفاصيل دلتنا المقاصد والأهداف على الطريق المستقيم، والطريق المستقيم كما تعلمون هو أقرب نقطة بين مسافتين، ولكن ما هي أهدافة المعرفة وما هي أهداف القراءة؟
بعد التأمل والتفكير تذكرت أن عالم النفس التربوي في جامعة شيكاغو بنجامين بلوم قد صنف في عام 1956م أهدافا للتعليم، اشتهرت فيما بعد بـــ”هرم بلوم” تعتبر هذه الأهداف من صلب موضوعنا، باعتبار القراءة تعليما ذاتيا، فما هو هرم بلوم وكيف نستفيد منه في تحقيق القراءة الواعية؟
قسم بلوم أهداف التعليم إلى ثلاثة مجالات: الإدراكي، السلوكيات، ،الحركي النفسي. وما يهمنا في هذا الموضوع هو المجال الأول الادراكي المعرفي، وهو المجال الذي يتعلق بتذكر المعرفة، كما يمتد لتنمية القدرات والمهارات العقلية، وقد صنفه على شكل هرمي، بمعنى أن تعلم معرفة في مستوى أعلى يعتمد على اكتساب معرفة أو مهارة في مستوى أدنى منها. فالمجال المعرفي له مستويات ستة تتدرج من التذكر ثم الفهم ثم التطبيق ثم التحليل ثم التركيب ثم التقويم، وسوف نلاحظ من خلال تعريف كل مستوى أن المعيار في التدرج الذي استخدم فيه هو درجة تعقيد العمليات العقلية، فالمستويات الدنيا (التذكر) لا تتطلب إلا قدراً يسيراً من الفهم، أو المعالجة الذهنية، بينما المستويات العليا (التحليل – التركيب – التقويم) تتطلب أعلى درجات الفهم والقدرة على مناقشة الأفكار وتحليلها، والحكم عليها. وهذا ما ينبغي أن توصلنا إليه القراءة الواعية.
مستويات المعرفة:
1)   التذكر
والمقصود به إظهار المقدرة على تذكر وإعادة سرد معلومات دُرست من قبل، وهذا يشمل استرجاع حقائق، ومفردات ومفاهيم وإجابات بسيطة.(والذين يكتفون بالحفظ يقفون عند هذا المستوى الأدنى وعادة ما تقيس الاختبارات المدرسية هذا المستوى وبالكاد تقيس الثاني أما ما علا ذلك فلا تفعل للأسف ولذا لا يعتبر النجاح الدراسي مقياسا للذكاء المعرفي).
2)   الفهم
والمقصود به إظهار فهم للحقائق والأفكار والقدرة على التنظيم والمقارنة والترجمة والتفسير والتوصيف والسرد والاستخلاص.
3)   التطبيق
والمقصود به استعمال معلومات جديدة، استعمال معرفة جديدة. حل مشاكل ومسائل جديدة بتطبيق المعرفة والحقائق والتقنيات المكتسبة بطرق مختلفة لتُلائم الوضع الجديد.
 
4)   التحليل
والمقصود به تمحيص المعلومات وتفكيكها إلى أجزائها وتحديد الأسباب والدوافع. القيام باستنتاجات ودمغها بحقائق لدعم عمومياتها، وتحديدا تحليل العناصر والعلاقات والمبادئ التنظيمية فيما بينها.
5)   التركيب
والمقصود به تجميع المعلومات بتركيب عناصرها بطرق وتسلسلات مختلفة وطرح حلول بديلة. طرح طرق تواصل فريدة، طرح خطط وعمليات مختلفة، استخلاص علاقات تجريدية.
6)   التقويم
والمقصود به طرح الأفكار والدفاع عنها، والاجتهاد بناء على أدلة داخلية ومعايير خارجية. وهذا المستوى يضم كافة المستويات السابقة لأن صاحبه صار يمتلك رؤية منهجية متسقة من خلالها: ينقد، ويقيم، ويناقش بالحجج، ويبين التناقض، ويصدر حكما، ويدافع عن رأي، ويتخذ قرارا، ويبرر لفكرة.
 
بعد كتابتي لهذه المستويات تذكرت الآيات القرآنية التي حثتنا بكلمات متنوعة للمعرفة والادراك، ولو تأملناها لوجدنا أنها تمثل مستويات للمعرفة، يَتَذَكَّرُونَ (التذكر)، يَفْقَهُونَ (الفقه)، يَعْقِلُونَ (العقل)، يَتَدَبَّرُونَ (التدبر)، يَتَفَكَّرُونَ (التفكر)، يَرْشُدُونَ (الرشد).
هذه إذن خلاصة مستويات المعرفة التي يفترض أن توصلنا لها القراءة الواعية، فإن رأينا أننا حققناها فنحن في الطريق السليم وإن رأينا أننا لا زالنا في أولى مستوياتها فعلينا البناء الهادئ الناضج غير المتكلف لكل مستوى كي نصل لما بعده.
أعرف أن هذا المقال لا يشفي غليل عشاق القراءة فهم يريدون التطواف بالعناوين، ولكن هذا المقال يفترض أن يكون مفتاحيا ثم يلحقه مقالات أخرى تكمل المشوار في العناوين.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى