كتابات خاصة

غزال.. والرجال

حسن عبدالوارث

سوا سوا يا عباد الله متساوية
ما حد ولد حُرّة والثاني ولد جارية
  (1)

جاءت من أوساط المراتب الدنيا في المنظومة الطبقية، في مجتمع ريفي بالغ التخلف، في النصف الأول من القرن التاسع عشر. غير أنها سعت إلى اجتراح محاولة للتغيير الاجتماعي، بأن وضعت لنفسها مكانة مرموقة في جنبات الواقع الاجتماعي القائم آنذاك.
وقد نجحت إلى حدٍّ ما في تحقيق ذلك، باستخدام سلاح خطير للغاية. لم يكن سلاح المال أو جاه القبيلة ونفوذ العشيرة، بل الشعر وحده، وما صاحبه من جرأة وشجاعة نابعة من ثنايا امرأة متمردة على العادات المتخلفة والتقاليد البالية.
إنها غزال أحمد علوان الشهيرة بغزال المقدشية.
ففي الوقت الذي استكان فيه الرجال لكل الفوارق الاجتماعية والأمراض المجتمعية التي كانت سائدة آنذاك، أنبرت بنت المقادشة الذمارية لمكافحة هذه الفوارق وتلك الأمراض بكل شجاعة وبكل وعي أيضاً:
“سوا سوا يا عباد الله متساوية
ما حد ولد حُرّة والثاني ولد جارية
عيال تسعة وقالوا بعضنا بيت ناس
وبعضنا بيت ثاني، عيّنة ثانية”.
حدث هذا من قبل هذه المرأة الاستثنائية، في ظل مجتمع غارق في ضلال الجهل وظلمات التخلف، بل وفي ظل واقع لم يكن يعرف البتة ظاهرة تعليم الفتاة، ناهيك عن تصديها لأكثر القضايا والظواهر حيوية وحساسية في المجتمع:
“قالوا قد الغيد بتقرا يا عماد
ما قد سمعنا بحُرْمة قارية”.
والحق أن غزالاً لم تكن قد نالت أدنى قسط من الأبجدية، غير أن فطرتها الشعرية كانت مارداً جباراً أستطاع أن يحطم حواجز الألفباء وجدران الوباء، بل ويتجاوز ذلك إلى محذور خطير هو مكنون العواطف الانسانية في قلب أنثى تجاه محبوبها الرجل:
“يا ناس ما كان ودّي غير ناصر قراع
ذي كان رفيقي من أيام كان ثوبي ذراع”.
رحم الله غزالاً وطيّب ثراها، فقد كانت صاحبة موقف طليعي، منذ زمن مبكر جداً، في مضمار تحرير المرأة من قيود التخلف والجور والجهالة، بل كانت صاحبة دور متقدم في ميدان النضال من أجل إزالة الفوارق بين الطبقات.
(2)
جاءتني تشكو إليَّ صديقي زوجها الذي خانها مع أخريات وكرَّر الخيانة مرات، باحثة عندي عن سلوى أو مواساة ونصيحة. والمرأة حمقاء إذا شَكَتْ خيانة رجل إلى رجل. وهو لن يلومه إلاَّ على أمر واحد فقط: إن أمره قد افتضح! .. قلت لها هذه العبارة فبَهَتَتْ.
سيدتي -قلتُ- هل كان لجمال الأميرة ديانا حدود؟ لا أعتقد. وكان شكل زوجها مثل الكلب الأجرب بجوارها. وبرغم ذلك خانها كثيراً، ومع سبق الاصرار، ومع من هي أقل منها جمالاً ودلالاً بمليون مرة.
وعشقتْ انجلينا جولي -أضفتُ- الولد الطائش براد بيت، واشترت له جزيرة على شكل قلب. وبرغم ذلك خانها مع طوب الأرض وقرود الغابة وحيتان المحيط.
الرجال -يا سيدتي- خونة بالفطرة. والرجل الذي لم يخن هو ذاك الذي لم يعرف، أو لم يجرؤ، أو لم يحز الفرصة. والمرأة التي تريد ضمان عدم خيانة زوجها، عليها أن… تخصيه!
إن الخيانة منزع ذكوري أصيل، بل أن لها غدة نشيطة عند الرجال. ليس خيانته للمرأة فحسب، بل وللصداقة والأخوة والعشرة والوطن. لقد زرع الله بذرة الخيانة في عقل الرجل قبل عضوه التناسلي.
ومنطقهم في هذا: خونوا… تصحُّوا.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى