كتابات خاصة

تراجيديا الصراع

أحمد ناصر حميدان

عدن المدينة التي تكتظ مستشفياتها بوجع الحرب، وانين الحياة التي تقاوم الموت بآلاف الأسرة، يرقد فيها مقاتلون أشداء سطروا أروع الملاحم البطولية في جبهات القتال على وطول وعرض الوطن الكبير، معظمهم مغدور بهم بالألغام والصواريخ الحرارية لجبناء الحرب، صناع فخاخ الموت والخديعة والغدر، انصار الشيطان والحوثي الرجيم.

في كل المراحل والمنعطفات التي تعصف بهذا البلد العريق الممتد جذوره في عمق التاريخ ،اليمن اصل العروبة، تفرز لنا تلك العواصف للسطح كياناتها الطارئة لتبث عفن فكر وثقافة عقم العقلية، في مشاهد تراجيديا تختار عدن وتؤامها تعز مسرحها، العقلية المقهورة من جنرالات الاستبداد مهووسة بالانتقام، فاقده الوعي لتغيير واقعها للأفضل، فتقع في فخ الاجتثاث للإرث وتصحر الواقع، لتبني على أطلالها دولة الأنانية.

عدن وتعز وتراجيديا الصراع الحميم بين قوى الموت والقهر والظلم القادم إليها وبين قوى الحياة المتجذر فيها، فيهما تجد الحياة تلتف بكل ما فيها من مواقف وتجارب لتحاصر الموت القادم، مهما كانت محاولات هذا الموت للسيطرة على الحياة، فالحياة فيهما لا تستسلم، تنبض من على سرير الموت.
عدن المدينة التي تكتظ مستشفياتها بوجع الحرب، وانين الحياة التي تقاوم الموت بآلاف الأسرة، يرقد فيها مقاتلون أشداء سطروا أروع الملاحم البطولية في جبهات القتال على وطول وعرض الوطن الكبير، معظمهم مغدور بهم بالألغام والصواريخ الحرارية لجبناء الحرب، صناع فخاخ الموت والخديعة والغدر، انصار الشيطان والحوثي الرجيم.
في أحد هذه الأسرة يرقد الشاب الخلوق محمد نصر، الذي تعرض لانفجار لغم من ألغام الحوثي، واصيب بكسور في فقرات عموده الفقري، فتح عينيه بعد عملية جراحية  لتثبيت فقراته، ليطلب استمرار حياته في عقد قرانه بمن يحب، وتم بحمد الله بحضور جمع غفير من الأهل والأحبة ورفاق الجبهات والأطباء والممرضين في مشهد فرائحي مهيب من على سرير المستشفى، يرفض الموت في زمن الحرب العبثية، متشبث بالحياة من على سرير الموت.
وهناك مشاهد تزرع الموت لتعيق الحياة، في تراجيديا عبثية لعقلية الطيش والتهور والسفور في مزيد من العبث بالحياة العامة والسلم الاجتماعي في عدن وتوأمها تعز، والانفلات الأمني وانهيار القيم والمبادئ والأخلاقيات، في أزمة ضمير يبرز فيها بعض من لا يعرف الجبهات ولم يواجه العدو يوماً، من حقراء القوم من الصعب أن يكونوا امراء اليوم، يحمل السلاح في مدن الأمان والسلام، ليثير الرعب والخوف بين العامة من الآمنين والمسالمين، كمشهد اطلاق النار بمركز تجاري وسوق عام بعدن، لأن القات الذي تناوله لم يكن جيداً بما فيه الكفاية ليريح من نفسيته المريضة. والغريب في الأمر لم يعد يقتصر العبث على عسكري بليد، بل يمكن أن يكون إعلامي وصحفي ومثقف باع نفسه للشيطان.
وما أكثر تراجيديا الصراع بين الوعي والتخلف، بين الحق والباطل، بين السيادة والعمالة، بين الوطن والأطماع، في صراع العقلية الماضوية مع العصر ومتغيراته، بين صدق نوايا التغيير للأفضل ونفاق الشعارات الجوفاء.
حيث يحتدم الصراع في اسس البناء على الإرث والحضارة وكل ما هو ايجابي لتصحيح السلب والاعوجاج، وبين تجريف الإرث والحضارة وكل ما هو ايجابي لتصحر الواقع والبناء على أطلاله دولة الأنانية والانتقام من الحاضر والمستقبل.
في هكذا عقلية لا يمكن أن تتفق معها على نقابة حقوقية مستقلة، وتعدد حزبي فكري وسياسي، وفسيفساء ثقافية، ودولة ضامنة للمواطنة وحرية وعدل ومساواة، ووطن يستوعب كل ابنائها كشركاء فيه لا أعداء.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى