فضل الرحمن ومشروع التحديث (2)
عبدالله القيسي
يقول فضل الرحمن: إن الإصلاح التعليمي هو مجرد مدخل لحل طويل الأمد للمشكلات الراهنة التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية يعتبر فضل الرحمن أحد أهم المفكرين الإسلاميين الذين تناولوا إشكالية العلاقة بين الإسلام والحداثة، ومن أهم المجالات التي ركز عليها فضل الرحمن في مشروعه التحديثي مجال التعليم، حيث يرى أن أي إصلاح إسلامي اليوم لا بد أن يبدأ بالتعليم، إما في مرحلة التعليم الابتدائي أو على الأقل في برنامج التعليم الجامعي وذلك بدمج الإسلام بالنزعة العقلية الحديثة، من أجل خلق وجهة نظر حديثة وأصيلة حول العالم. يقول فضل الرحمن: إن الإصلاح التعليمي هو مجرد مدخل لحل طويل الأمد للمشكلات الراهنة التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية، فالثنائية الذهنية هذه، وعدم الاندماج بين الحياة الفردية والجماعية تؤديان إلى الاضطراب في جميع مجالات المساعي الإنسانية، وإلى الإحباط والأزمات التي تشل صيرورة الحياة. ولكن الإصلاح التعليمي لا يمكن أن يتحقق وتتبين نتائجه بين ليلة وضحاها، إنها عملية وإن تم تبنيها ستأخذ جيلين على الأقل. أما في الوقت الحالي فيمكن اتخاذ بعض الاجراءات لخلق توجه سياسي إسلامي أصيل، ونزعة عقلانية أكثر تطورا، كنقطة انطلاق فاعلة مؤثرة من أجل أسلمة جميع مجالات الحياة. وقد خصص فضل الرحمن كتابا لمناقشة هذا الموضوع بعنوان “التعليم الإسلامي والحداثة”.
أما أشهر كتبه وأكثرها تداولا فهو كتاب “الإسلام وضرورة التحديث” ففيه تبلورت أفكاره ورؤاه بشكل نهائي حيث يرى أن السبب الرئيس الذي أدى لإخفاق البلدان الإسلامية من تحقيق التنمية والتحديث هو عجزها عن خلق الأساس الثقافي الخاص بها, فالصراع بين القديم والجديد هو الأساس الذي انطوت عليه سياسات الإخفاق والفشل وجوهر الحل يكمن في صياغة ارتباط عضوي يظهر في القدرة على تفسير القديم انطلاقا من الجديد فيما يتعلق بالجوهر, وعلى جعل الجديد يخدم القديم فيما يخص المثل العليا, بيد أن الأوضاع لم تتطور على هذا النحو، فالمأزق الذي كان يطبع الحياة التربوية والثقافية أيام شبلي النعماني ومحمد عبده لا يزال قائما حتى يومنا هذا ويكمن السبب في أن كافة الجهود التي بذلت من أجل الوصول إلى تكامل أصيل بين القديم والجديد قد عجزت عن إتيان ثمارها على الرغم من الوعي العميق بوجود تلك الثنائية في مجال التربية والثقافة.
يقوم مشروع التحديث الذي اشتغل عليه فضل الرحمن على إعادة اكتشاف الحداثة داخل النسق الإسلامي باعتبار الحداثة ليست واقعا نهائيا مطلقا ومكتملا وإنما يمكن تحقيقها من خلال التعاطي الكيفي مع نصوص الإسلام المؤسسة بطريقة تسمح بالكشف عن طاقتها الخلاقة بطريقة تكون مغايرة عن النمط الذي ساد منذ قرون حتى الآن والذي تعامل مع القرآن بشكل تعسفي من خلال المدارس الغيبية من صوفية وكلامية كما أصبح القسم الأعظم من الفكر السلفي مجرد فكر أدبي خاو وبعيد كل البعد عن النظر بأصالة في عمق أعماق القرآن.
ينتقد فضل الرحمن القراءات السابقة للقرآن ويرى أنها لم تركز على فهم الوحدة القرآنية، وإنما قرأت الآيات في معزل عن بعضها البعض، وهذا الإشكال هو ما ركز عليه الشيخ الترابي لاحقا في مشروعه “التفسير التوحيدي”، وحتى تلك القراءات التي تمت فيها قراءة القرآن كوحدة من قبل بعض الفلاسفة والمتصوفة فإن هذه الوحدة بحسب فضل الرحمن إنما فرضت على القرآن وعلى الإسلام عموما من خارجه بدلا من أن تترتب على دراسة القرآن نفسه فعلى مدى قرون تم التعاطي مع القرآن بقراءة برانية تعتمد على الانكسار والتفتت ولا تتعامل معه باعتباره كل متماسك ينطوي على ضرب من الوحدة العميقة.
ويرى فضل الرحمن إن هذا التعامل مع القرآن بأسلوب حرفي وسطحي في جزئيته وجامد لا حياة فيه ولا بد من الاعتماد على منهج تأويلي للقرآن يتجاوز القراءة الذرية, واعتماد طريقة في التفسير تقوم على أساس حركة مزدوجة: من الوضعية الراهنة إلى الأزمان القرآنية, ثم في عودة إلى الزمن الراهن, و بمقدار ما سيكون بإمكاننا أن نقوم بهاتين الحركتين بنجاح فسوف تصبح تعاليم القرآن حية وفعالة مرة أخرى.
أما عن أن السبب المباشر والأكثر أهمية وراء فشل العالم الإسلامي في إعادة بناء وتكوين ذاته فيعتقد فضل الرحمن أنه الظهور الكلي الوجود للمواقف والحركات الأصولية التي مثلت ردة فعل ضد كل من الغرب والنزعة الحداثية الإسلامية المبكرة. ومن هنا كان اندفاعها الأساسي يتجه نحو الكشف عن بعض الأوجه في الإسلام من شأنها أن تميز العالم الإسلامي عن الغرب، لأن التهمة التي توجهها للنزعة الحداثية الإسلامية هي أن هذه الأخيرة قد وحدت بين الاثنين بسهولة مفرطة. وبحسب عبدالرحمن فإن العلامات الفارقة في الإسلام والتي يتم التركيز عليها من قبل هذه الحركات هي الزكاة وأهمية دور المرأة التقليدي، في مقابل انهيار العائلة الذي تمر به المجتمعات الغربية على نطاق واسع وبصورة متزايدة. يقول فضل الرحمن: والحق أن كل مطلب من هذين المطلبين مهم ومفيد في ذاته، ولكن النزعة الأصولية تدافع عنهما لا من أجلهما فحسب وإنما من أجل إظهار التمييز الذي تضيفانه على المجتمع الإسلامي بإزاء المجتمع الغربي. والنتيجة المحصلة تبني مدخل غير متكامل وغير مفيد لمعالجة هذه القضايا ونظائرها الأخرى. والواقع أنه من باب الخلط غير المبرر أن نوحد بين نظام الربا المذكور في القرآن، ونظام الفائدة المصرفي الحديث بوصفه وسيلة خاصة ضمن سياق المفهوم الحديث لـ “الاقتصاد المتطور” الذي يؤدي وظيفة مختلفة تماما. وبالنسبة إلى نظام الزكاة فلم يتبنه أي بلد من البلدان الإسلامية، وذلك لأنها ببساطة قد اعتادت على استعمال أشكال أخرى من الضرائب. وأما بالنسبة لدور المرأة التقليدي وفيما إذا كان بإمكان المرأة أن تتعايش مع التغيير الذي يحصل في قطاعات اجتماعية أخرى، وعلى وجه التحديد التعليم والاقتصاد، وتبقى محتفظة بذلك الدور فهو أمر متروك لما سيحدث.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.