المهاجرون الأفارقة.. قصص التعذيب في “أحواش” المهربين غربي اليمن
تذرف “شمس” الدموع فرحاً وبؤساً في إحدى مقرات الشرطة، غربي اليمن، بعد إفلاتها وطفليها من التعذيب طوال أسابيع مضت، لقد بتّر المهربون إحدى أصابع أرجلها، وأعاقوا إحدى يديها عن الحركة. يمن مونيتور/ حجة/ من عيسى الراجحي
تذرف “شمس” الدموع فرحاً وبؤساً في إحدى مقرات الشرطة، غربي اليمن، بعد إفلاتها وطفليها من التعذيب طوال أسابيع مضت، لقد بتّر المهربون إحدى أصابع أرجلها، وأعاقوا إحدى يديها عن الحركة.
تقول “شمس”، وهي سودانية الجنسية، وواحدة من 28 أفريقياً بينهم ثمان نساء وأربعة أطفال، إن الأمن اليمني استطاع تحريرهم من إحدى “مقرات التهريب” بمديرية عبس بمحافظة حجة غربي البلاد، بعد أيام وليالي سوداء في زنازين الاحتجاز.
على ملامحهم السمراء، وأجسادهم النحيلة، تنتشر خرائط التعذيب، بعد أن استطاع المهربون ايهامهم بالوصول إلى المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط، وهناك سيجدون فرص عمل اعتقدوا أنهم سيخففون من وطأة الفقر على عائلاتهم في بلدانهم الفقيرة، فزادوا عليهم الحِمل أكثر.
تروي “شمس” قصتها لمراسل “يمن مونيتور”، “احتجزوني بعدما أوهموني بنقلي للسعودية قبل ثلاثة أشهر، غير أنهم نقلوني إلى “حوش الموت”، وقاموا بتعذيبي ضرباً أمام أطفالي بعنف، وارغموني على التواصل بعائلتي التي باعت المنزل، وأرسلت للمهربين مبلغ عشرة ألف ريال سعودي (2700$)”، تقول “شمس” ثم تبدأ بالبكاء محتضنة طفليها.
“مجاهد عبده”، مدير التحريات بالأمن السياسي بعبس، وقائد الحملة الأمنية التي حررت الأفارقة، يقول، “تلقينا بلاغاً نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، يفيد بوجود عشرات المحتجزين في إحدى “الأحراش” في “منطقة بني حسن”، أخذنا الترتيبات الأمنية، وبالتنسيق مع الأهالي تم مداهمة المكان، وألقينا القبض على اثنين من حراسته، وحررنا المحتجزين”.
وأضاف في حديث خاص لـ”يمن مونيتور”، “جرى نقل أربعة منهم أحدهم امرأة، إلى المستشفى الريفي، لقد كانوا في وضع حرج، تعرضوا لبتر في الأطراف، ووحشية في التعذيب”.
في زوايا مستشفى ريفي متهالك يفتقر إلى خدمات طبية حديثة، ترقد “خديجة” (40عاماً)، إحدى أصابع رجلها اليمنى مبتورة، فيما لا تستطيع تحريك إحدى يديها، لقد تعرضت لضرب مُبرح من قبل “المهربين” من أجل الحصول على المال، وبالقرب منها يرقد شاب نيجيري يناهز الثلاثين ربيعاً، لا يستطيع الوقوف على قدميه، يصرخ متألماً باحثاً عن الدواء؛ فيما البقية تبدو آثار التعذيب على أجسادهم، أشبه بخرائط متعرجة أو موجات بحر.
تقول “شمس”، “لقد تم تعذيب أحدهم أمامي حتى الموت”، تتساقط الدموع على رأسي طفليها الخائفين، تضيف، “طيلة الفترة داخل الاحتجاز يعطونا يومياً قرص “روتي” جاف وماء ملوث”.
تتشابه مآسي هؤلاء الشبّان مع نهايات آلاف المهاجرين غير الشرعيين الذين فقدوا حياتهم في عرض البحر، أو على أيدي عصابات المهربين في رحلة محفوفة بخطر الموت بُغية التسلل إلى المملكة العربية السعودية.
كشف حارسا “الحوش” للشرطة أسماء المهربين الذين يستخدمونهم، وكذا مرتكبي التعذيب، بحسب “مجاهد عبده” الذي توعد بملاحقتهم.
وبحسب هؤلاء الأفارقة الذين تمت عملية تحريرهم، فإن المهربين يطلبون ما بين خمسة إلى عشرة آلاف ريال سعودي، ويجبرونهم على الاتصال بأهاليهم تحت التعذيب لتحويل تلك الفدى مقابل إطلاق سراحهم، وعندما يتم دفع مبلغ “الفدية”.
يقول “ابراهيم”، وهو شاب سوداني في العشرينات من عمره استطاع الهروب قبل وصول الشرطة، “عذبوني وكسروا أسناني، وقيدوني بالحديد، حتى تواصلت بأهلي وقاموا بتحويل مبلغ عشرة ألف ريال سعودي للمهربين”.
يشير “إبراهيم” إلى مطالب رفاقه بإيوائهم واطعامهم وارجاع مبالغهم من المهربين، “لنا هنا ثلاثة أيام نعيش وضعاً لا يقل عن الوضع الذي عشناه في حوش التعذيب”.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، قال منسق الأمم المتحدة للشؤون الانسانية في اليمن “يوهانس فان در كلاو” لوسائل الإعلام في “جنيف”، إن “37 ألف وافد جديد وصلوا إلى اليمن منذ الأول من يناير/ كانون الثاني من العام الحالي، عشرة آلاف منهم وصلوا منذ 26 مارس/ آذار، أي نحو الثلث منهم، منذ تصاعد وتيرة النزاع في البلاد”.
وتعتبر الهجرة غير الشرعية واحدة من الظواهر التي تؤرّق اليمن وتستنزف جهودها، في بلد يعتبر الأفقر في العالم العربي، حيث تقدر نسبة الفقر بـ54.5 %، ويبلغ معدل النمو السكاني 3%، وهو من أعلى المعدلات في العالم.
ويعبر آلاف المهاجرين غير الشرعيين القادمين من القرن الأفريقي إلى اليمن، فراراً من الحروب والصراعات والفقر والجفاف والمرض، طمعاً في حياة أفضل.
ووفقاً لإحصاءات رسمية يمنية نشرت منتصف العام الماضي، فقد تجاوز عدد اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين المليون مهاجر ولاجئ، تمثّل نسبة المهاجرين غير النظاميين النسبة الأعلى منهم.
وكشفت الإحصاءات أن إجمالي أعداد المهاجرين غير المسجلين لدى الجهات الحكومية في اليمن، أو لدى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، يصل إلى 750 ألف مهاجر، إذ تصاعدت هذه النسبة تدريجياً من 15% في 2006م إلى 80% في عام 2013م من إجمالي أعداد القادمين إلى اليمن.